مر أسبوعان فقط على حادث إطلاق النار على المدرسة في أوفالدي بولاية تكساس، والذي أسفر عن مقتل 19 طفلاً وشخصين بالغين. منذ ذلك الحين، شهدت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 34 عملية إطلاق نار جماعي أخرى، إلى جانب العديد من عمليات إطلاق النار الفردية وحالات الانتحار بالأسلحة النارية وحتى الاغتيال السياسي. هذا ما يحدث عندما تعيش في بلد به أسلحة أكثر من الناس، وحيث يمكن للعديد من المراهقين شراء سلاح هجومي على الطراز العسكري، كما يتمكنون من شراء مشروب بشكل قانوني.
ومع ذلك، يواصل «الجمهوريون» الإصرار على أن انتشار البنادق لا علاقة له بانتشار إطلاق النار. وهم يلقون باللوم على عدم تأمين المداخل بالشكل الكافي، وألعاب الفيديو، والأمراض العقلية، وتفكك الأسرة، والشياطين، وقلة الصلاة في المدارس، وعقار الريتالين، ومضادات الاكتئاب، ووسائل التواصل الاجتماعي، والعزلة الاجتماعية.. أي كل شيء باستثناء الأسلحة المستخدمة في هذه الجرائم!
وتتجاهل كل هذه التفسيرات الرد الواضح بأن ثقافتنا تشبه إلى حد كبير الثقافة في كندا وأستراليا وبريطانيا ودول أخرى لا تقترب من نفس مستويات العنف المسلح. ليس لدينا احتكار للأمراض العقلية أو تفكك الأسرة أو ألعاب الفيديو. وفي الواقع، فإن الأميركيين أكثر تديناً بكثير من مواطني الدول الغنية الأخرى، لذلك نحن لا نعاني من قصور في الصلاة.
لكن الجمهوريين لديهم وجهة نظر بشأن الثقافة الأميركية عامة، وليس فقط تلك التي يحاولون التعبير عنها. فهناك مرض في أميركا، إنه الهوس بالسلاح الذي لا مثيل لها في أي ديمقراطية متقدمة أخرى. فالسياسيون الجمهوريون ولوبي السلاح وصناع السلاح، أي الثالوث غير المقدس، متواطئون ليس فقط في إضعاف قوانين حيازة الأسلحة، ولكن أيضاً في تمجيد الأسلحة النارية والتشجيع على بيعها. وبعد كل إطلاق نار جماعي، يلهم الجمهوريون المزيد من مبيعات الأسلحة من خلال تحذيرهم من أن «الديمقراطيين» يخططون لمصادرة الأسلحة. ومن خلال زيادة عدد الأسلحة النارية المتداولة، فإن هذا يزيد من احتمال إطلاق النار الجماعي التالي.
تجاوز عدد البنادق الرايات كإكسسوار إلزامي في الإعلانات التجارية للحملة الجمهورية، وأصبح الأشخاص الذين استخدموا الأسلحة بزعم الحماية الذاتية، مثل كايل ريتنهاوس، أبطالاً شعبيين للجمهوريين. وأصبحت ملكية السلاح علامةً على الهوية القبلية في أميركا الحمراء (أي الجمهوريون في أميركا). ويزيد عدد الجمهوريين الذين يمتلكون أسلحة بأكثر من الضعف مقارنة بالديمقراطيين، والسبب الأكثر شيوعاً لشراء سلاح هو الحماية الشخصية.
الحماية من ماذا؟ حسناً، ليس من قبيل المصادفة أن مبيعات الأسلحة قد ارتفعت (بشكل أساسي بين الرجال البيض) بينما كان السياسيون والدعاة اليمينيون يبالغون في تهديدين وهميين: أولاً، التهديدات الإجرامية التي يفترض أن يمثلها الخارجون عن القانون من «المدن الديمقراطية»، والمحتجون من حركة «حياة السود تهم» والمهاجرون غير الشرعيين. ثانياً، التهديد السياسي من الديمقراطيين الذين يُفترض أنهم «يستدرجون» الأطفال، ويستبدلون «الإرث الأميركي» بالمهاجرين الملونين، وجلب الشيوعية إلى هذا البلد. ويعتقد الجمهوريون أن التعديل الثاني للدستور (الذي ‏ يحمي حق المواطنين في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها) هو فقط القادر على حماية حياتهم وحريتهم. ويشعر الجمهوريون بالقلق الشديد من مؤامرات الديمقراطيين الوهمية لدرجة أن 40% يقولون إن العنف ضد الحكومة يمكن تبريره.
الكثير من الجمهوريين ممن ينشرون الخوف لديهم وصمة عنصرية واضحة. ألقى بليك ماسترز، مرشح مجلس الشيوخ من ولاية أريزونا، والذي حظي بتأييد دونالد ترامب، باللوم في العنف المسلح على «السود». ومع ذلك، في ثاني أعنف إطلاق نار جماعي في الشهر الماضي (والذي وقع في محل بقالة بافالو)، كان الأشخاص العشرة الذين قُتلوا من السود، وكان الجاني مراهقاً أبيض مدفوعاً بنظرية «الاستبدال العظيم» التي يتحدث عنها الجمهوريون.
وحتى الجمهوريون الذين يُفترض أنهم عاقلون لا يختبئون في الكهوف في ولاية أيداهو، ينغمسون في إثارة الرعب المروع. يقول السناتور الجمهوري ليندسي جراهام: «أنا أملك سلاحاً من طراز AR-15. وإذا كانت هناك كارثة طبيعية في ساوث كارولينا حيث لا يستطيع رجال الشرطة حماية الحي الذي أعيش فيه، فسيكون منزلي آخر منزل ستأتي العصابة إليه، لأنني أستطيع الدفاع عن نفسي». أشك بطريقة ما في أن جراهام سيكون ضحيةً لعنف العصابات خلال الإعصار القادم الذي يضرب بلدته الصغيرة سينيكا («المكان رقم 1 للتقاعد في ساوث كارولينا!»).
وإليكم الحقيقة التي لن يقولها الجمهوريون لناخبيهم أبداً: امتلاك الأسلحة النارية يجعلك أقل أماناً وليس أكثر. كما يشير موقع «تريس» (Trace)، المخصص لأخبار الأسلحة النارية، إلى أن «امتلاك سلاح في المنزل يزيد من فرصة الإصابة العرضية والقتل والانتحار، وقد ثبت أنه يفوق الفوائد الوقائية المحتملة للأسلحة النارية». كما وجد الباحثون أن الأسلحة تستخدم للدفاع عن النفس في أقل من 1% من جميع الجرائم، وفقاً لتقارير تريس، وأن «امتلاك سلاح في المنزل كان مرتبطاً باحتمالات أعلى بثلاث مرات تقريباً لقتل شخص ما في المنزل من قبل أحد أفراد الأسرة أو المعارف المقربين».
وهناك حقيقة مهمة أخرى ينكرها الجمهوريون: السيطرة على السلاح تنجح. وجد مشروع بحثي عام 2016 أن القيود الصارمة على شراء الأسلحة وملكيتها قد تم اتباعها. تتجلى نفس الديناميكية داخل الولايات المتحدة. بينما كانت تكساس تحد من قوانين الأسلحة، كانت كاليفورنيا تشددها. في عام 2020، كان معدل وفيات السلاح في ولاية كاليفورنيا أقل بنسبة 40% لكل 100 ألف نسمة مقارنة بولاية تكساس.
إن الجمهوريين يساهمون في حمام الدم الذي يجتاح أميركا من خلال منع قوانين سلامة الأسلحة مع الترويج لملكية الأسلحة. وكانت النتيجة أنه في عام 2020، أصبحت البنادق السبب الرئيسي للوفاة بين الأطفال. ما لم يتلاشَ الهوس بالسلاح بين اليمينيين، سيستمر الأطفال والكبار في الموت بلا داع.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»