مبارك عليكم الشهر وكل عام وأنتم بخير، وعسى الله أن يتقبل صيامكم وطاعاتكم.

دعوة معالي د. نايف الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، لجولة جديدة من المباحثات اليمنية في الرياض لها دلالاتها الخاصة، وكذلك رسائلها الإقليمية، فلطالما أراد اليمنيون تحديد موقعهم السياسي إقليمياً، إلا أن تاريخهم السياسي الحديث شتتهم بين العربي والدولي أما دعوة الأمانة العامة لهذه الجولة الجديدة من المباحثات اليمينية- اليمنية، ففي ذلك إشارة لترحيل التباينات الخليجية حول اليمن، من أجل تشجيع كافة الأطراف اليمنية على تبنِ مبادئ أكثر واقعية للخروج من الأزمة القائمة.

إعلان وقف العمليات العسكرية والرفع النسبي عن بعض للعقوبات المفروضة على الطرف «الحوثي»، مثّلا فرصة لذلك الطرف لكي يعبر عن موقف وطني مسؤول تجاه اليمن وكذلك محازبيه، إلا أن خياره مقاطعة هذه الجولة من الحوار، عبّرت عن ضيق أفق القيادة «الحوثية» وارتهان رؤيتها الوطنية بأخرى عقائدية غير منتمية للتاريخ.

نجاح هذه الجولة من عدمها سيتطلب ما يتجاوز «إجماعاً يمنياً» وإرادة خليجية، ذلك بالإضافة لتفهم دولي لضرورات إنهاء هذه الأزمة لا التعاطف الأدبي معها، في حين تتعاظم كلفتها السياسية إقليمياً. وكذلك هو موقع الشرعية اليمنية، والذي يجب أن يكون أكثر تعبيراً عن إرادة يمنية موحدة، ومفهوماً واضحاً للمصالحة والانتقال السياسي.

التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية عَبّر عن قدرة قواته في تغير موازين الموقف العسكري على الأرض خلال العمليات المشتركة مع القوات اليمينة ممثلة بألوية العمالقة، إلا أنها فضلت الحسم السياسي على العسكري حقناً للدم اليمني. أما شأن العودة للخيار العسكري فإن ذلك سيبقى مرهوناً بمخرجات الجولة القائمة من المباحثات اليمينة، وقد تمهد بعض الجهود الدبلوماسية الموازية للمباحثات لإقناع الطرف «الحوثي» بالعدول عن موقفه والانضمام للمحادثات.

رغم تزاحم الملفات في هذه الجولة الحرجة، إلا أن تحديد الجدول النهائي لها سيمثل التحدي الأكبر، واليمنيون يتقنون فن المناورة اللغوية وتوظيفاتها السياسية، وكذلك خدمة أجنداتهم السياسية الخاصة، لذلك علينا أن نتحرى رؤية النوايا بما يتجاوز تحري رؤية هلال رمضان. وإن عجز اليمنيون عن طرق أبواب الملفات المُرحلة وأهمها التصالح مع نتائج 1994، فسيتعين على راعي المحادثات أن يضع جميع الأطراف أمام خيارات واقع آخر. بقدر أهمية اليمن وأهله، إلا أن ارتهان استقرار جغرافيا الجزيرة العربية انطلاقاً من مبدأ (حبتي والديك) قد بات مرفوضاً، وهنا لا نقدم افتراض سوء النية، بل خشية إهدار المزيد من تاريخ المنطقة.

* كاتب بحريني