لتحقيق هدف توظيف الغذاء للوقاية من الأمراض والعلل، تنص النصيحة الأساسية والأهم على ضرورة تناول غذائي صحي متوازن، ومتنوع، مع الإكثار من الفواكه والخضروات، وخصوصاً النيء منهما.

فعلى سبيل المثال ينخفض خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والشرايين بنسبة 15% بين من يكثرون من تناول الخضروات النيئة، مقارنة بين من يشح هذا النوع من الغذاء في طعامهم اليومي. ولكن على ما يبدو، أن الاعتماد على تناول كميات كافية من الخضروات فقط، لن يكفي لخفض خطر الوفاة بسبب الذبحة الصدرية أو السكتة الدماغية، أو هذا هو الاستنتاج الذي خرجت به مؤخراً دراسة كبرى.

قام بها علماء جامعتي أوكسفورد وبريستول البريطانيتين وبالتعاون مع الجامعة الصينية في هونج كونج، وشارك فيها قرابة 400 ألف شخص، تم على مدار اثني عشر عاماً، متابعة عاداتهم الغذائية وخصوصاً على صعيد ما يتناولونه من خضروات في طعامهم اليومي، ومقارنة ذلك بمعدلات إصابتهم بأمراض القلب والشرايين. وما اكتشفه الباحثون أن في الوقت الذي يشكل فيه تناول الخضروات النيئة والمطبوخة مكوناً مهماً في نمط الحياة الصحية، إلا أن هذا وحده لا يكفي في تحقيق الوقاية المرجوة، حيث تتداخل عوامل أخرى في زيادة أو خفض احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين.

غالبية هذه العوامل، تندرج تحت ما يُعرف بنمط أو نوعية الحياة، وهو مصطلح يستخدم لوصف الطريقة التي يحيا بها إنسان ما حياته، وتعود بداية استخدامه إلى أحد علماء النفس النمساويين عام 1920. وإن كان معناه الأوسع وشائع الاستخدام حالياً، يشير إلى حزمة من السلوكيات، والأفكار المرتبطة بالذات والانتماء، وأثر السلوكيات الشخصية على حياة المرء اليومية.

وعلى رغم أن هذا المصطلح أو المفهوم يحمل مغزى ودلالات خاصة في مجالات مختلفة، إلا أن علاقته بالصحة والمرض أصبحت تحتل مكانة خاصة على صعيد احتمالات الإصابة بالأمراض المختلفة، المعدية وغير المعدية.

فعلى سبيل المثال، تظهر الدراسات أن 40 في المئة من حالات السرطان بين البريطانيين، سببها أسلوب الحياة. وإذا صنّفنا السلوكيات الشخصية إلى إيجابية وسلبية على صعيد الوقاية من الأمراض، فسنجد مثلاً أن التدخين وشرب الكحوليات وتعاطي المخدرات كلها تندرج تحت السلوكيات السلبية، بينما نجد أن الاعتماد على غذاء صحي متوازن ومتنوع، وممارسة النشاط البدني، وخفض مستوى التوتر العام في الحياة اليومية، جميعها عوامل تندرج تحت السلوكيات الإيجابية.

وبخلاف السلوكيات الشخصية، هناك عوامل خارجية تؤثر سلباً وإيجاباً في صحة الشخص، مثل التركيبة الوراثية، والمهنة أو الوظيفة، ومستوى الدخل والتعليم، والوسط الاجتماعي، ومدى توفر الرعاية الصحية المناسبة، والتي تصنف جميعها ضمن محددات الحالة الصحية للفرد، ومن ثم المجتمع برمته.

* كاتب متخصص في الشؤون العلمية.