هناك أنباء جيدة وأخرى سيئة بخصوص منظمة التحرير الفلسطينية. النبأ السيئ أن المنظمة على وشك الموت. والنبأ السار أن سعي الشعب الفلسطيني إلى تقرير المصير الوطني ما زال قائماً وبصحة جيدة. فقد تم إنشاء المنظمة لتجسيد حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال الوطني وتقرير المصير.

ولطالما شنت إسرائيل حملة دعائية مكثفة ضد منظمة التحرير الفلسطينية، وعندما احتضنت حركة عدم الانحياز منظمة التحرير الفلسطينية، اعتمدت إسرائيل على فكرة عنصرية تعود للحقبة الاستعمارية، وصفتها بأنها عبارة عن أشخاص غير متحضرين يتصدون للديمقراطيات المتحضرة. واعتراض إسرائيل الأساسي، في الواقع، سببه أن المنظمة تمثل الهوية الوطنية الفلسطينية، وكان الاعتراف بها يعني قبول حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

وفي عام 1975، انتزعت إسرائيل تعهداً من الولايات المتحدة بعدم التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية مقابل موافقة إسرائيل على خطة لفك الاشتباك بوساطة أميركية بين إسرائيل ومصر وسوريا. وأعاق هذا التعهد بعدم تواصل الدبلوماسية الأميركية 17 عاماً. فالاجتماع مع ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة كلف أندرو يونج، السفير الأميركي في الأمم المتحدة وظيفته. ومنع تشريع منظمة التحرير الفلسطينية من إقامة مكتب أو حتى زيارة الولايات المتحدة.

وأدى هذا الرفض الإسرائيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية والهوية الذاتية الفلسطينية إلى تعقيد جهود الولايات المتحدة لتنظيم مؤتمر مدريد للسلام، مما أدى إلى فشل 11 جولة من المحادثات. وتم تخطي الجمود عندما قرر بعض ممثلي إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية التفاوض خارج عملية مدريد.

وفي الاتفاق الذي قبله لاحقاً كل من الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية، أكدت منظمة التحرير اعترافها بحق إسرائيل في الوجود، واعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني. وللأسف، تحولت أوسلو إلى فخ. فبينما أكد الفلسطينيون مراراً وتكراراً على حق إسرائيل في الوجود، لم تعتزم إسرائيل قط تجاوز موقفها السابق على أوسلو، والذي تمثل في أنه يجب على الفلسطينيين ألا يتوقعوا أكثر من «حكم ذاتي محدود» تحت السيطرة الإسرائيلية.

وخلال العقود الثلاثة التالية التي أحكمت فيها إسرائيل هيمنتها على الحياة الفلسطينية، اتخذ الفلسطينيون خطوات كارثية أثبتت أنها قاتلة لمنظمة التحرير الفلسطينية. فقد أدمجوا منظمة التحرير الفلسطينية مع السلطة الفلسطينية التي أوجدتها أوسلو، وهذا عزل المنظمة فعلياً عن الشتات الفلسطيني.

وبعد إخضاع السلطة الفلسطينية لهيمنة إسرائيل الاقتصادية والأمنية، واعتمادها على حسن النية الإسرائيلية وأهواء المجتمع الدولي، أصبحت السلطة الفلسطينية تستجدي التمويل وتابعة. وتفاقم التدهور فحسب بعد ظهور فصائل خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية، مثل حماس والجهاد الإسلامي. فقد أدى رفضهم لبنود أوسلو وميلهم إلى العنف المدمر للذات ضد المدنيين - سواء باستخدام الانتحاريين في الماضي أو إطلاق الصواريخ لاحقاً - إلى إحكام إسرائيل قبضتها على غزة، وأدى هذا إلى تعميق الانقسام الفلسطيني.

وحالياً، تدير السلطة الفلسطينية الضفة الغربية بينما تدير «حماس» غزة، عبر منظمات موازية تستخدم أموال الضرائب أو المانحين الخارجيين، لتوفير خدمات محدودة وتتبع نظام محسوبية يكافئ النشطاء.

وفي الآونة الأخيرة، اجتمعت اللجنة المركزية الفلسطينية، وهي الهيئة الحاكمة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقاطعها كثيرون وتغيب آخرون. وللأسف تحولت حركة التحرر الوطني إلى قيادتين متنافستين غير ممثلتين، السلطة الفلسطينية وحماس. فقد ركز كلاهما على البقاء على قيد الحياة والاحتفاظ ب «السيطرة» على مناطقهما المحتلة.

وعلى الجانب الآخر، من المثير للإلهام أن نتابع الطريقة التي يواجه بها عامة الفلسطينيين الاحتلال يومياً، باستخدام تقنيات العصيان المدني بشكل أساسي. فمع تراجع منظمة التحرير الفلسطينية، أكد صمود وتصميم الشعب على استمرار بقاء الفلسطينيين ومطالبهم العادلة، أو كما يقول الشاعر توفيق زياد، «على صدوركم باقون كالجدار وفي حلوقكم كقطعة زجاج، كالصبار». ولإحياء الحركة الوطنية، يجب أن تعيد منظمة التحرير الفلسطينية تشكيلها من الأسفل إلى الأعلى. وتظهر استطلاعاتنا للرأي أن الفلسطينيين يريدون الوحدة. لكن الوحدة لا يمكن أن تقوم على اندماج كيانين يخدمان ذاتهما.

ولا حياة جديدة إلا من خلال تمكين المجتمع المدني الفلسطيني. وهذا يعني إجراء انتخابات مفتوحة ونزيهة وحرة.

*رئيس المعهد العربي الأميركي