أثناء تجوالي في متحف الغردقة بمصر المحروسة، سئل المرشد السياحي عن عُمرِ بعض المقتنيات المعروضة، فأجاب بأن أقلها عمراً مائة عام، وأما أقل من ذلك فلا يعرض لأنه لم تستكمل دورته الحضارية بعد. ويبدو بأن هذا مقياس عالمي لدى بقية الدول.

وإذا أخذنا بهذا المقياس، وأردنا من خلاله معرفة مكانة الإمارات من سلم الحضارات، فإن الميزان ليس مرتبطاً بنشأة الدولة، بل بتاريخها عبر القرون الماضية. ولو عدنا إلى تاريخ نشأة كل إمارة من إمارات الدولة على حدة لوجدنا الزمن الحضاري يلاحقها جميعاً. رأس الخيمة والشارقة أول إمارة تأسست على يد الشيخ رحمه بن مطر القاسمي عام 1560، وسميت بإمارة القواسم. وتأسست أبوظبي على يد الشيخ ذياب بن عيسى بن نهيان آل نهيان، رحمه الله، في عام 1761.

أما عجمان، فقد تأسست على يد قبيلة النعيم الذين توافدوا إلى المنطقة نحو عام 1775، وبرزت الإمارة لأول مرة ككيان مستقل عام 1820، وأول حاكم لها الشيخ راشد بن حميد بن سلطان النعيمي، رحمه لله. وكذلك تأسست إمارة أم القيوين على يد الشيخ ماجد المعلا، رحمه الله، زعيم قبيلة المعلا التي تعد فرعاً من آل مفلح من قبيلة آل علي في عام 1775. وبدأ تاريخ الفجيرة الحديث منذ عام 1808، حين شيّد الشيخ محمد بن مطر زعيم الشرقيين قلعته، وبنى حولها المدينة القديمة، وكانت الفجيرة تتبع الشارقة على مر القرون، إلى أن استقلت عنها في عام 1952.

ويعود تأسيس دبي إلى عام 1883، عندما استقر ما يقارب من ثمانمائة شخص ينتمون إلى قبيلة بني ياس بقيادة آل مكتوم عند منطقة الخور، وحكموا دبي منذ ذلك الوقت، وأول حاكم للإمارة كان الشيخ عبيد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله.

ليس الهدف من هذا السرد التاريخي لإمارات الدولة التأريخ للدولة، بل إبراز الجانب الذي يمد البعد الحضاري للدول قيمة زمنية معتبرة في محطة التاريخ البشري. اليوم وبعد عبور الدولة مرحلتها الخمسينية، وضعت نفسها على سلم الحضارة الإنسانية في بداية الاستعداد لمئويتها التي وضعت خططها التفصيلية مقدماً.

وهكذا تضيف الإمارات لوناً جديداً إلى لوحة الحضارة الإنسانية، وهي واثقة بقدرتها على المشاركة الفاعلة بهذا المستوى العالي من الرقي ولديها الاستعداد للترقي في هذا المقام. لأن الحضارة الإنسانية منذ نشأتها تشكل وحتى اللحظة الراهنة نسيجاً متعدد الألوان، كلّ خيط فيه - مع احتفاظه بكينونته الخاصة - يعطي بتلاحمه مع بقية الخيوط لهذا النسيج متانته وشكله النهائي، مثله في ذلك كمثل لوحة فسيفساء كل جزء منها مستقل بذاته، ولكن اصطفاف هذه الأجزاء وفق قوانين بنائها يعطي اللوحة النهائية رونقها الخاص الذي يستمد جماليته من تفاعل هذه العناصر مع بعضها بعضاً.

لأن الحضارة هي الدرجة العليا من تباين الوجود الإنساني، وهي قادرة على إلغاء التناقضات ما بين أجناس البشر خاصة ما يتعلق بالاختلاف العرقي والثقافي. فمن الضرورة، السعي إلى تحييد الحضارات بعيداً عن أي صراعات من أجل إبراز البعد الإنساني في مفاصلها.