«حاول بعض الأميركيين الذين تقدموا نحو الحافلة سحب زوجاتهم الفيتناميات معهم...كانت هناك مشاهد يائسة لعائلات تشتتت وتصرخ طلباً للمساعدة، وتتوسل ألا تتخلف عن الركب، وتتعلق بقشة الأمل الأخيرة». سيتذكر العديد من الأميركيين من جيلي أن تقرير «سي بي إس إيفينينج نيوز»، بتاريخ 30 أبريل 1975، الذي أعده المراسل «إد برادلي»، حول الإجلاء الذي كان يتكشف مع اقتراب القوات الفيتنامية الشمالية من سايجون.
قد ينظر بعض المشاهدين في رعب، والبعض الآخر في حزن أو خجل أو حتى غضب من مشاهد فيتناميين يحاولون تسلق جدران السفارة الأميركية –مروحيات تهبط على سطح المبنى وداخله –وأشخاص ينتظرون إجلاءهم إلى متن السفن المتمركزة قبالة الساحل الفيتنامي.
لكن الأمر كان هناك أمام أعيننا: بعد سنوات دموية عديدة استنزفت أرواحاً، واستنزفت الخزانة الأميركية، كان تدخل الولايات المتحدة في فيتنام ينتهي، بينما، كما أفاد برادلي، كانت المروحيات الفارة تسقط في المياه، وكان الطيارون الفيتناميون يقفزون من الطائرات والناس يسبحون تجاه الزوارق.
ربما يأمل جيل اليوم من الأميركيين في تجنب مشهد سقوط عاصمة أفغانستان، كابول. وربما يبتهلون من أجل ألا يضطروا إلى رؤية الحشود الأفغانية التي تبحث في يأس عن وسيلة للخروج من بلادهم، كما كان الفيتناميون الجنوبيون يندفعون في يأس بحثاً عن مخرج من بلادهم قبل 46 عاماً.
ولكن، هل الأيام الأخيرة لكابول قادمة؟
بعض عواصم المقاطعات الأفغانية تسقط مثل الدومينو بنقرة من هجوم «طالبان». وتم تعديل توقيت السقوط المحتمل للعاصمة الأفغانية ليتراوح من شهر إلى ثلاثة أشهر، وفقاً لتقييم الاستخبارات العسكرية الأميركية. والمطلوب من الأميركيين الخروج «فوراً» بأفضل طريقة ممكنة. وفي حين أنه من المقرر، رسمياً، رحيل الجيش الأميركي في 31 أغسطس، إلا أن معظم القوات اختفت بالفعل.
تتم عملية الإجلاء، حتى مع قيام إدارة بايدن بتجميع مزيج من الجهات الفاعلة الدولية في محاولة لثني «طالبان» عن السعي لتحقيق نصر عسكري.

كان علينا أن نعرف أن هذا اليوم قادم. أطول نزاع مسلح في تاريخ الولايات المتحدة كان حرباً لم تنتصر فيها الولايات المتحدة أبداً. والخسائر المتكبدة: أكثر من 2300 قتيل أميركي وأكثر من 20000 جريح أثناء القتال، وضياع ما يقرب من تريليون دولار.

لقد كنا هناك عندما أعلن الرئيس باراك أوباما، بعد خضوعه لضغوط الجيش وتردده، زيادة عدد القوات في أفغانستان في عام 2009. وأعلن «بعد 18 شهراً، ستبدأ قواتنا في العودة إلى الوطن».
وكتبت في ذلك الوقت أن إدارة أوباما «تريدنا أن نصدق أنه في غضون عام ونصف، سيتم تعبئة الآلاف من القوات الأميركية وإرسالها إلى أفغانستان، حيث ستنضم إلى القوات الأخرى والعمل على حرمان «القاعدة» من ملاذها، وتقويض زخم حركة «طالبان» وتقليص قدرتها على الإطاحة بالحكومة الأفغانية، وتعزيز قدرة قوات الأمن الأفغانية حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها وتحقيق الاستقرار في باكستان المجاورة».
لم يحدث ذلك. ورأينا النتيجة تتكشف في الوقت الحقيقي. لم تدافع قوات الأمن الأفغانية عن نفسها، واستمرت «طالبان» في الاستيلاء على الأراضي وحصد الأرواح. وفي مايو 2014، أعلن أوباما: «نحن الآن بصدد إنهاء المهمة التي بدأناها»، واعداً بتقليل القوات الأميركية بحلول نهاية العام وإعلان أن الالتزام العسكري للولايات المتحدة سينتهي بحلول عام 2016 -لكن هذا لم يحدث.
في كتابه «أوراق أفغانستان، التاريخ السري للحرب»، كتب «كريج ويتلوك»: «في واشنطن، تزايدت المخاوف من أن الحكومة الأفغانية معرضة لخطر الانهيار السياسي ووصف الوضع بأنه محفوف بالمخاطر، وغير أوباما رأيه مرة أخرى في يوليو 2016».

وبدلاً من خفض العدد إلى 5500 جندي كما هو مخطط له، أمر المزيد من القوات الأميركية بالبقاء في أفغانستان. وبحلول الوقت الذي غادر فيه البيت الأبيض في يناير 2017، كان هناك حوالي 8400 جندي.

وكما كان الأمر خلال كل ذلك، فهو كذلك الآن: حكومة أفغانية مغرمة بالتمسك بالسلطة، لكنها تفتقر إلى العزم لحشد الناس وتنظيم مجموعات متباينة للدفاع عن البلاد وحمايتها، بما في ذلك النساء، دون مساعدة أموال وجنود الولايات المتحدة المسلحين تسليحاً جيداً.

لقد كتبت عن قرارات أوباما المتباينة في أفغانستان، ونقاط الضعف الأفغانية، فضلاً عن صخب الرئيس دونالد ترامب وتقلباته التي كانت تتكشف.
انظر إلى الوراء في أسف لأن صوتي كان غير ذي قيمة، وربما كانت شكوكي صامتة أو أقل من أن تحدث فارقاً في هذا الفشل العسكري الأميركي الهائل. ولكن مع اقتراب النهاية، لا تزال بعض الأصوات تصرخ –امنحوا أفغانستان مزيداً من الوقت، غطاء جوياً، فريقاً جديداً من المستشارين، فقط القليل من الوقت.
للبقاء على قيد الحياة مع «طالبان»، يجب أن تصبح أفغانستان موقعاً لقاعدة أميركية مجهزة تجهيزاً جيداً وذات موقع استراتيجي مع عقد إيجار طويل الأجل.
ولكن كما هو الحال في فيتنام، فإن الحكومة الأفغانية الضعيفة وغير المستقرة لن تؤدي إلا إلى تفاقم المأساة والكارثة والخسائر الأميركية.

كولبرت كينج
كاتب أميركي حاصل على جائزة بوليتزر
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»