أسهمت تكنولوجيا الاتصال الحديثة في تعزيز الاتصال الثقافي وتنشيط التبادل المعرفي بين الشعوب، والتغلب على الحدود الجغرافية والسياسية بل وتجاوزها، وأحدثت تغييراً جذرياً في الكم والكيف في المحتوى المتنقل عبر وسائل الإعلام الجديدة.
وظهر الإعلام الرقمي أو الإعلام الجديد في الجزء الأخير من القرن العشرين، معتمداً على تقنية الإنترنت في إيصال المعلومة، ويشمل دمج وسائل الإعلام التقليدية مثل الأفلام والصور والكلمة المنطوقة والمطبوعة، مع تقنيات الحاسوب والأجهزة الذكية، وله أشكال متعددة منها: المواقع الإعلامية على شبكة الإنترنت، والقنوات والصحافة الإلكترونية، والإعلانات التجارية عبر الإنترنت، والمدوّنات، واستخدام الهواتف الذكية في البث التلفزيوني.
وقد أصبح الإعلام الرقمي اليوم واقعاً لا مفرّ من التعامل معه، وأدواتُهُ فَرَضتْ نفسها، ولم يَعُدْ التعامل مع هذه التقنيات ترفاً، بل أصبح واقعاً معايشاً لأكثر سكان المعمورة، فَبِها يتواصلون، وعن طريقها يتناقلون المعلومات والأخبار، في أسرع وقت وأيسر طريق وفق أحدث التقنيات وأكثرها تطوراً، وتهيّأ في هذه العصور من الوسائل والتقنيات الحديثة ما يُعين على تعلّم اللغات ويسهّل ذلك لمكتسبيها، ويساهم بشكل أساس في العملية التعليمية، خاصة في زمن انتشار الأوبئة وحظر التجمعات البشرية حفاظاً عليها.
لذا، يذهب الكثير إلى أن منصات التواصل الاجتماعيّ ستصبح في المستقبل القريب بديلاً كاملاً عن برامج التعلم الإلكترونيّ التقليديّة، ما قد يغيّر مفهوم التعلّم والتعليم الإلكترونيّ بشكلّ جذريّ.

وعلى حسب العالم الخبير حسينة قيدوم، فإنّ الاعتماد على مواقع التّواصُل الاجتماعيّ له دور كبير، وفعّال أثّر في طُرق ممارسة العمليّة التعليميّة عن بُعد، وغيّر في ديناميكيّة عملها، لما تُقدّمه هذه المواقع من أدوات خلقت ردهةً علميّة يتعاون ويُشارك فيها أطرافها على التبادل، والحوار العلّميّ، وتعدّ أدوات التّواصُل الاجتماعيّ التحدّي الذي على دول العالم العربيّ استغلاله للارتقاء بمُستوى أفضل للتعليم عن بُعد وتماشياً مع موجة التطوّرات، والتحاقاً بالرّكب الحضاريّ للدول المُتقدّمة، فهذه التّفاعُلات الجديدة التي تخلقُها هذه المواقع، خصوصاً «فيسبوك Facebook» و«يوتيوب YouTube»، أصبحت ضرورة حتميّة لا مفرّ منها، ويقول «فيليب كيو»: إنّه «علينا أن نتقبّل العلاقة الجديدة التي تربطُنا بالعالم الجديد الذي يستقبلُنا… إنّها طريقة بيداغوجيّة للتعوّد على تغيير النّظام والرُّؤية والفهم.
مما يشكلّ اليوم الإعلام الرقمي وتكنولوجيا الاتصال الحديثة خاصة بحكم طبيعتها، وتفاعل الإنسان معها أداة من أدوات العملية التربوية المعاصرة والمؤثرة، والتي ذاع انتشارها في كل البقاع واعتمدت في بعض الدول كوسيلة للتعلم وتحديد المستويات البيداغوجية، كونها تعكس جوانب متعدّدة من التطور والنمو الذي تشهده الساحة التعليمية اليوم.
فلم تعد الأسرة والمدرسة المصدرين الوحيدين للحصول على المعلومة، بل المنافسة تأتي من وسائل الإعلام الرقمي التي تحولت إلى مصدر غزير من المعلومات التي يحتاجها المعلّم، والطالب على حدّ سواء، كما أصبح لها الدور المحوري والأساس في تكوين الأجيال الصاعدة تؤهلهم في مستوى التحديات خاصة المعرفية، والتي تنعكس سلباً أو إيجاباً على سلوكيات الشباب.
وإذا كان للإعلام الرقمي بأدواته آثاره السريعة الواضحة على لغة الناس وثقافتهم واهتماماتهم، فإن المأمول أن نسخّره ونستثمره لخدمة لغتنا العربية وتعليمها خاصة في الأوساط الناطقة بغيرها، ونشر جمالياتها وإبراز خصائصها ودقائقها للراغبين فيها، ويتحتَّم على المهتمين والعاملين في خدمة اللغة العربية الاستفادة منه، وأن يرسموا لهم منهجاً وخطة واضحة للتعامل الأمثل في كافة المجالات ذات الصلة باللغة العربية تعلّماً وتعليماً ونشراً.
وعليه، الدور المأمول في نهضة دولنا لقيادة الاقتصاد الرقمي العالمي المتميز يكمن في أخلاقيات إرثنا وعراقة أصولنا، بغرس قيم التعاون والتنافس على الخير وإسعاد بني البشر بإيجاد لغة التواصل الإنساني والحوار الحضاري، «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون».