ما هي أفضل السبل لإحداث توازن بين آفاق اقتصادية أكثر قتامة على المدى القصير وآفاق أكثر إشراقاً على المدى الطويل؟ وكيف يمكن المحافظة على سياسة نقدية تحفيزية جداً على الرغم من احتمالات توسع مالي كبير؟ «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي من المرجح أنه يميل بقوة إلى احتمال خفض معدلات الفائدة، فإن مشاكل الاقتصاد والأسواق تزيد من تحديات القيام بذلك.

تشير التقارير الاقتصادية إلى تباطؤ في تعافي الاقتصاد الأميركي. فضعف سوق العمل وانكماش مبيعات التجزئة يسلّطان الضوء، منذ شهرين على قطاع خدمات يتعرض للضغط من جديد بسبب الاضطرابات المباشرة وغير المباشرة المتعلقة بكوفيد- 19.

وإذا كانت التدابير المتعلقة بالفيروس التي أعلن عنها الرئيس جون بايدن مؤخراً مطلوبةً جداً من أجل ازدهار صحة أميركا العامة واقتصادها على المدى الطويل، فإنها على الأرجح ستكبح السفر وأنشطة أخرى. وفي الأثناء، أخذت أوروبا تسقط في موجة ثانية من الركود، يقال إنها دفعت ألمانيا إلى التفكير في إجراء مراجعة مهمة إلى الأسفل لمعدل نموها المتوقع في 2021 إلى نحو 3 في المئة بدلاً من 4 في المئة. هذه التوقعات الصعبة على المدى القصير تتباين مع توقعات أكثر إشراقاً على المدى الطويل. ذلك أن نشر اللقاح يتسارع، مصحوباً بجهود إدارة بايدن الأكثر جدية والأحسن تنظيماً من أجل إبطاء انتشار العدوى.

وفضلاً عن ذلك، فإن السلالات الجديدة لكوفيد- 19 وإن كانت تشكّل مصدر قلق، إلا أنه لا دليل حتى الآن على أنها تقضي على التأثير المفيد لحملات التطعيم. وعلاوة على ذلك، فإن المؤشرات الكثيرة على تعرض المستشفيات للضغط الشديد وعمال الرعاية الصحية للإنهاك يبدو أنها تكبح السلوك غير الصحي لبعض الأفراد. ثم هناك جبهة السياسات.

فتصميم حزمة بايدن المالية الأولى، وسيل الأوامر التنفيذية التي سبقت مناقشتها من قبل الكونجرس، هما مؤشران على أن الإدارة الأميركية الجديدة تدرك أهمية المقاربة متعددة الجوانب التي ناقشتها في مقالاتي السابقة، وتتصرف على هذا الأساس – أي إحراز تقدم مبكر ومتزامن بخصوص إغاثة الشرائح الأكثر هشاشة من المجتمع، ومكافحة كوفيد- 19، والتخفيف من انعدام الأمن المالي للأسر.

أما العنصر الرابع المهم من هذه المقاربة الشاملة – اتخاذ تدابير لتحسين الإنتاجية وإمكانية النمو – فمن المتوقع أن تغطيه الحزمة المالية الثانية التي برمجها بايدن لشهر فبراير. وبالنظر إلى الظروف المالية الحالية والأدلة المتزايدة على الإفراط في المخاطرة في الأسواق، فيمكن أن نتوقع من «الاحتياطي الفيدرالي» أن يدفع في توجيهاته نحو خفض تدريجي سابق لموقفه اللين والفضفاض جداً بخصوص السياسة النقدية، في وقت يمر فيه الاقتصاد عبر صعوبات قصيرة الأمد وينطلق فيه التحفيز المالي الجديد. والحاجة إلى هذا الدفع يقوّيها قلقٌ مشروع من أن الأسواق تعرضت للتشويه بسبب سنوات عديدة من ضخ السيولة الكبيرة والمتوقعة، ما أدى إلى انفصالها عن الأساسيات بشكل مفرط، وكذلك إلى تغذية التخوفات الكبيرة بشأن التفاوت الاجتماعي وانعدام المساواة. وبالنظر إلى التوقعات المعقولة بخصوص انتعاش اقتصادي نتيجة تحرر الطلب المكبوت للأسر بعد عملية التلقيح الفعالة، وعلى افتراض أن الكونجرس سيمرر معظم خطط بايدن المالية، فإن ضخ الطلب المتزايد في الاقتصاد يمكن أن يرتفع إلى نحو 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، إن لم يكن أكثر. وبالنظر إلى عدم احتمال أن يُظهر جانب العرض الكميةَ نفسها من النشاط على المدى القصير، فإن الزيادة في مستوى السعر العام للفائدة في 2021 يمكن أن تفوق هدف «الاحتياطي الفيدرالي» (2 في المئة).

في مثل هذه الظروف، سيسارع العديد من الاقتصاديين القلقين بشأن آثار اقتصادية طويلة الأمد إلى القول إن الأرجح هو أن الأمر سيتعلق بتعديل للسعر لمرة واحدة بدلاً من بداية عملية تضخم مزعزعة لاستقرار الاقتصاد. *خبير اقتصادي ومالي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»