احتفلت الولايات المتحدة قبل 5 أيام بعيد الاستقلال وبإرثها في الحرية والديمقراطية رغم أن مجالس تشريعية في ولايات يهيمن عليها «الجمهوريون» تقر، واحداً بعد الآخر، تشريعات تقيد حقوق التصويت. و«الجمهوريون» في الكونجرس يعرقلون مشروع «قانون من أجل الشعب» لتوسيع حقوق التصويت. ومن الصعب أن ينظر المرء بموضوعية إلى بلاده، ولذا طرحت عدة أسئلة في الأيام القليلة الماضية على عدد من الباحثين الأجانب المتخصصين في الديمقراطية عن وجهة نظرهم عن السجالات الدائرة حول النظام السياسي الأميركي. والإجابات كانت متشائمة في معظمها. 
فقد ذكر «ديفيد التمان»، أستاذ العلوم السياسية في شيلي، أنه متأكد أن الديمقراطية الأميركية ليست هي ما يظنها الأميركيون، وأن هناك تبايناً معرفياً بين ما يعتقد المواطنون الأميركيون بشأن مؤسساتهم وبين ما هي عليه هذه المؤسسات بالفعل. وعبر ستافان ليندبيرج، أستاذ العلوم السياسية السويدي الذي يدير معهد تعددات الديمقراطية، عن قلقه الفعلي من مدى التشابه بين ما يحدث في الولايات المتحدة وعدد من الدول في العالم تضررت فيها الديمقراطية كثيراً بل انهارت، في حالات كثيرة. 

لكن أميركا تختلف عن هذه الأمثلة كثيراً. ففي معظم حالات الانهيار الديمقراطي، ينشر حزب مهيمن سلطته وشعبيته ليشدد سيطرته. لكن الاحتمالات في أميركا أكبر. ومع الأخذ في الاعتبار أن «الديمقراطيين» لديهم أغلبية حاكمة بفارق ضئيل، على الأقل على مستوى البلاد، لذا لا يقاتلون على الحفاظ على الوضع الراهن. وهناك مقترح للسناتور «الديمقراطي» جو مانتشن يتضمن عدة بنود، من بينها حظر التلاعب الحزبي برسم الدوائر الانتخابية وإقرار التسجيل التلقائي للناخبين وإقرار 15 يوماً للتصويت المبكر وإعادة إحياء قانون حقوق التصويت وجعل يوم الانتخابات عطلة. وهذا المقترح سيمثل توسعاً مذهلاً للديمقراطية الأميركية أكبر من أي شيء شهدته البلاد منذ ستينيات القرن الماضي. 

والمحللون الليبراليون يركزون عادة على احتمال التقهقر. فقد رصد «مركز برينان للعدل» أنه منذ بداية يناير إلى منتصف مايو، أقرت 14 ولاية على الأقل 22 قانوناً تقيد إمكانية التصويت وتضع الولايات المتحدة «في مضمار يتجاوز كثيراً أحدث فتراتها من القمع الكبير للتصويت». ورصد تقرير منفصل لثلاث جماعات لحقوق التصويت ما يصل إلى 24 قانوناً تم سنها في 14 ولاية هذا العام، تسمح للمجالس التشريعية في الولايات بالتعامل السياسي والجنائي مع إدارة الانتخابات والتدخل فيها. لكن العكس صحيح أيضاً. فقد توصل مركز برينان للعدل أن 14 ولاية أقرت 28 تشريعاً على الأقل توسع إمكانية التصويت. فهذه الفترة تتميز بالاستقطاب وليس التقهقر. 

وهناك شيء يراه المراقبون الأجانب بوضوح وهو أن الديمقراطية متعددة الأعراق في أميركا ليست إلا زهرة نابتة في تربة رقيقة. وأحياناً نتباهى بأننا أقدم ديمقراطية، وهذا صحيح بالمعنى الحرفي. لكن إذا استخدمنا التعريف الأكثر حداثة للديمقراطية- متضمناً حقوق التصويت للنساء والأقليات باعتبارها اشتراطات أولية- فإننا واحدة من الديمقراطيات الأحدث. 

ويرى ليندبيرج، أستاذ العلوم السياسية السويدي، أنه من المثير للسخرية القول إن أميركا هي أقدم ديمقراطية في العالم لأن أميركا لم تصبح ديمقراطية إلا بعد حركة الحقوق المدنية في ستينيات القرن الماضي و«بهذا المعنى فهي ديمقراطية جديدة مثل البرتغال وإسبانيا». وهذا واضح في مؤسساتنا. لأن مجتمعاً يقدر الديمقراطية والمشاركة السياسية ما كان ليضع النظام الذي لدينا. ويضرب «التمان»، أستاذ العلوم السياسية من شيلي، مثلاً بالمجمع الانتخابي ويقول إنه «مؤسسة عتيقة تدهش كل باحثي الديمقراطية على امتداد العالم». وأيضاً هناك توقيت الانتخابات الأميركية. وتساءل ألتمان: «لماذا تصوتون يوم الثلاثاء؟ إنكم لا تمنحون الناس مساحة كافية للتصويت». ثم هناك دور المال الذي يصفه التمان بأن الأمر «يبدو أكثر قرباً لديمقراطية الأثرياء». 

ومن هذا المنظور، لا تمثل مساعي الحزب «الجمهوري» لإخراس أصوات ناخبين معينين وتسييس إدارة الانتخابات انحرافاً عن تاريخ برّاق من السباقات التنافسية والنزيهة، بل مجرد رجوع إلى ما اعتدنا عليه. وهذا يرجح احتمال نجاحها. ويرى «ليندبيرج» أنه «إذا ساءت حال أميركا حتى لم يعد من الممكن اعتبارها ديمقراطية، فهذا سيمثل عودة إلى المعتاد التاريخي لأميركا، أي تمتع بعض الناس بحقوق ليبرالية، لكن ليس للدرجة التي تجعلها ديمقراطية حقيقية». 

وهذه معركة ليست حول فكرة الديمقراطية، بل أقرب إلى معركة عمن يتمتع بالمشاركة فيها ومقدار مشاركتهم. ويرى «إيفان كراستيف»، أستاذ العلوم السياسية ورئيس مركز الاستراتيجيات الليبرالية في بلغاريا، أن «هذا لا يتعلق بالطريقة التي ينتخب بها الناس حكومتهم. بل يتعلق كل شيء بنوع الناس الذين تريد الحكومة اختيارهم، مثل أن تحدد الأشخاص الذين يحصلون على الجنسية وحق التصويت والذين تستبعدهم من التصويت». 

لا أريد أن أضرب صفحاً عن هجوم الحزب «الجمهوري» على الانتخابات. فمن المخيف أن يشاهد المرء واحداً من الأحزاب السياسية الأميركية الكبيرة يتبنى رؤية تصبح فيها الديمقراطية مشكلة وقائمة أولويات تحاول تحييد تهديد الديمقراطية. لقد أطلقت على هذا «دورة القضاء على الديمقراطية» أي أن يفوز حزب بالسلطة رغم خسارته الأصوات، ثم يستخدم السلطة التي بيده لتقويض الناخبين والانتخابات التي تهدد مستقبله. 

لكن هذا ليس النتيجة الوحيدة المحتملة. فمن التطورات المشجعة أن نرى عدداً متزايداً من «الديمقراطيين» يدركون أنهم بحاجة حقاً إلى الكفاح في سبيل الديمقراطية. ومع تعديل بسيط على مشروع قانون في الكونجرس قد يقر «الديمقراطيون» تشريعاً ربما يحسن المؤسسات الانتخابية الأميركية أفضل من أي شيء منذ قانون حقوق التصويت عام 1965. والواقع أن «الجمهوريين» مصيبون في إدراكهم للخطر، أي أن أفكارهم التي لا تحظى بشعبية قد تعرضهم لعواقب انتخابية عقابية في حالة اقتراب البلاد من النموذج الديمقراطي الحقيقي. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/07/01/opinion/us-democracy-erosion.html