كل عام وأنتم بخير، لقد بدأنا رحلة التزكية خلال الفترة الرمضانية، تقبل الله طاعاتكم. كلنا يدرك فضل هذا الشهر الكريم وأهمية استثمار كل ثانية فيه للتزكية النفسية والمثوبة الربانية. لكن البعض- للأسف الشديد- لا يدرك فضل هذا الشهر من الناحية العملية. اسمحوا لي أن أشارككم لغة أهل التجارة في استثمار فرصة الربح السريع في رمضان. نحن نعلم أن أسرع الربح التجاري يكون في التعامل مع البورصة. ويدرك المتعاملون فيها أهمية المعلومات ذات المصداقية في التخطيط للمتاجرة بالأسهم بيعاً وشراءً، لذلك كلما كانت مصادر معلوماتك قريبة من صناع القرار، كان قرار البيع والشراء أصوب وتحقق أكبر عائد ممكن .هناك من يبيع وهو خسران وغيره يبيع وهو ربحان بسبب المعلومات الصادقة أو المضللة ، لذلك وجدت قوانين في أسواق المال تضبط هذه القضية، كي لا يربح فقط من عنده معلومات داخلية.
من كرم الله علينا أن أرسل لنا الرسول عليه الصلاة والسلام، كي ينقل لنا مباشرة عن ربنا تعالى معلومات ذات مصداقية مطلقة تقول لنا إنْ أردت الربح استثمر في هذا الشهر، نعم نحن نصومه تعبداً لله تعالى وتنفيذاً لأمره «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»، لأن الربح الأكبر يكون في ذلك، ففيه ليلة القدر التي جاء ذكرها في القرآن « لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»، أي أن العبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر.
وقد ورد في العمرة في رمضان قول النبي صلى الله عليه وسلم : (عُمْرَة فِي رَمَضَانَ تَقْضِي [أي تعدل] حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي ) رواه البخاري، ولو استعرضنا فضائل الأعمال في رمضان، لرأيت أن كل عمل تقوم به خارج هذا الشهر فضله مضاعف خلال رمضان، ففكر كتاجر. 
لو قال لك أحد التجار: «هذا شيك باسمك قيمته مليار درهم سأعطيك إياه في نهاية هذا الشهر لو قمت بالأعمال التالية كما أريد»، وهي أعمال موزعة في الليل والنهار، ما هي درجة حرصك على إتقان المطلوب منك وقد رأيت الشيك بأم عينك، لا ينبغي أن تكون ثقتنا بربنا أقل من ثقتنا بوعد ذلك الإنسان لنا، ويكفي المؤمن هذا الحديث كي يشد همته، قال صلى الله عليه وسلم: ( كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. يقول الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان؛ فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) أخرجه البخاري. إنه شهر التجارة الرابحة، ومغبون من ضيع دقائقه في ما لا يُرجى ثوابه.. وختاماً أحذر نفسي وإياكم ممن يسرق وقتنا في رمضان، فكل واحد منا سيبتلى بهذه الأمور التي تخطف منا هذا الوقت المبارك.. العقلاء هم الذين يحرصون على أوقاتهم أكثر من حرص التجار على ثرواتهم.
* أكاديمي إماراتي