إنهاء الأزمة اليمنية والتوصل إلى حل سياسي يتضمن وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة حقناً لدماء الأبرياء هو العنوان الأبرز للمبادرة التي أعلنها الأمير فيصل بن فرحان وزير خارجية المملكة العربية السعودية. وهي بلا شك مبادرة ستضع حداً لمعاناة الشعب اليمني.
على الرغم من المقترحات التي تضمنتها المبادرة، والتي لا تذهب بعيداً عما سبق وتم طرحه عام 2016، فإنها في الوقت ذاته تكشف عن نوايا قادة الميليشيا «الحوثية»، والتي أثارت دهشة المجتمع الدولي الذي رحب بالمبادرة. إذ يطرح «الحوثيون» تمسكهم برفع ما يسمونه «الحصار»، وفتح مطار صنعاء، مع العلم أنها – أي المبادرة - تضمنت فتح المطار أمام رحلات محددة، مع إيداع أموال الضرائب والعائدات النفطية في حساب مشترك لدى البنك المركزي اليمني في الحُديدة، إضافة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار.
ولتطابق وجهات النظر بين الإمارات والمملكة العربية السعودية، إزاء العديد من الملفات التي تخص أمن المنطقة برمتها، فقد كانت أبوظبي أول من بادر بإعلان موقف إيجابي من المبادرة، وسعت لترويجها ودفعها إلى الأمام لكسب مزيد من الدعم، مع وضع المجتمع الدولي والقوى العظمى أمام مسؤولياتها، وخصوصاً بعد تعمّد «الحوثيون» استهداف أمن وسلامة المدنيين في المملكة العربية السعودية بطائرات مسيّرة، وهو ما قوبل باستهجان وغضب المجتمع الدولي الذي أصبح مطالباً بموقف أكثر حزماً لردع ميليشيا «الحوثي»، خصوصاً وأن المبادرة الجديدة جاءت بالتنسيق الكامل مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص السيد مارتن جريفيث ومبعوث الإدارة الأميركية الجديدة ليندر كينج، وغيرهم من ممثلي الجهات الدولية.
إن الخسائر التي مُني بها «الحوثيون» في مأرب وتعز تؤكد لهم فشل مشروعهم الذي تغذيه قوى خارجية، ولهذا عليهم إعادة التفكير في ما آلت إليه الأمور، حيث لا سبيل أمامهم اليوم سوى الاستجابة للمبادرة التي تمثل خطوة موفقة نحو الحل السياسي الشامل، وفرصة ذهبية إن كانوا جديين بمسألة إنهاء معاناة اليمنيين وتحقيق سلام دائم في اليمن، مع كفّهم عن لعب دورهم كذراع لقوة إقليمية تستخدمهم لتحقيق مصالحها بابتزاز المنطقة والضغط على الجميع لاستمرار حالة التوتر في الخليج.
الاستغراق في الأوهام لن يفيد «الحوثيين»، لهذا عليهم أن يستفيقوا منها، وأن يتوقفوا عن أعمالهم التخريبية وهجماتهم التصعيدية، التي لم ولن تحقق لهم أي ثمار على أرض الواقع، ذلك أن محصلة عدوانهم في النهاية ستكون خاسرة تماماً. وإيماناً بضرورة استعادة الأمن والسلام في اليمن، فإنه يتعين على «الحوثيين» إعادة حساباتهم واغتنام الوقت هذه المرة وقبل فوات الأوان.
لقد فعلت الدبلوماسية السعودية خيراً بإعلان المبادرة في هذا الوقت والظرف الذي تتكثف فيه تحركات المبعوثين الأمميين إلى جانب تشديد الإدارة الأميركية على رغبتها التامة بوضع حد لما هو قائم بالفعل. فاليمن أرضاً ودولة تتكبدان منذ سنوات خسائر كبيرة، غير أن الخسارة الأكبر تقع على كاهل الشعب اليمني، فقد زُهقت أرواح 330 ألف يمني - حسب إحصاءات الأمم المتحدة - فضلاً عن إصابة مئات الآلاف، وتعرض بعض هؤلاء إلى عاهات جسدية مستديمة، مع انهيار البنية التحتية للبلاد، وتراجع تام على مستوى أداء المرافق العامة والخدمات، وكل ذلك لن يتغير إلا إذا تم إيقاف النزيف، مع وضع آلية لإنقاذ وإعادة بناء اليمن الذي كان سعيداً. لكن قدرة أبناء اليمن على إعادة بناء ما دُمِّر مرهونة باستجابة الميليشيات للمبادرة. فالصلف والاستقواء بالقوى الخارجية لن يزيد العرب إلا فرقة وضعفاً.