هي حكاية قديمة من سنوات، لكن أرددها دوما كمثال على مفهوم الإندماج في أوروبا، وبدأت مع سائق التاكسي الذي أقلني من محطة القطار بعد منتصف الليل إلى بيتي في مدينتي البلجيكية، وانتبه إلى أني أتحدث مع زوجتي هاتفيا باللغة العربية، فانتظر إلى أن أنهيت المكالمة وبادرني بقوله: الأخ عربي؟ فأجبته بالإيجاب متوقعا «مسبقا وبضيق» حوارا أدرك منتهاه، وفعلا بدأ الحوار الذي تبادلنا فيه معلومات سنوات الهجرة في البلد الجديد، فتبين أن السائق «الثلاثيني» كان قد جاء طفلا إلى بلجيكا مع والديه في هجرة عائلية من شمال أفريقيا، لنصل في الحوار إلى نقطة المواجهة التي توقعتها كوني لا أجامل في قضايا التخلف والجهل، ليبدأ الحديث عن الإسلام والإرهاب، ليقول السائق حامل الجنسية البلجيكية أن الإسلام قادم بحد السيف «إن شاء الله» إلى أوروبا!
عند هذه النقطة بادرته أنا بالسؤال «ماذا لو أن الله نفسه لم تكن مشيئته تلك الرغبة الدموية؟»، فرد علي الرجل مصعوقا بسؤال مضاد واستنكاري: «هل أنت مسلم؟»!! 
لن أخوض في تفاصيل ما بعد سؤالي المباغت وسؤاله المضاد، لكن الرحلة إلى بيتي انتهت بصمت متوتر حسم المسافة القارية القصوى الممكنة بين عربيين مهاجرين.
هذه الحادثة على بساطتها تلخص عشرات الحكايات، التي عايشتها شخصياً في موضوع الاندماج عند الجاليات العربية المسلمة في أوروبا، ومئات القصص، التي يعيشها الجميع في أوروبا عموماً، وهي قصص وحكايات تؤكد بلا شك أن المشكلة دوماً تكمن في انغلاق غالبية العقلية العربية الإسلامية أمام «الآخر» ووجود الإيمان حد اليقين الراسخ بأن البشرية مقسومة إلى قسمين، مسلمين اصطفاهم الله عن باقي البشر، وباقي البشر!
في غالبية دول الغرب الأوروبي، هناك تشريعات وقوانين لقبول الهجرة من المهاجرين أياً كانت خلفياتهم العرقية أوالدينية، ويتصدر تلك المتطلبات القانونية الالتحاق ببرامج الاندماج الاجتماعي في الوطن الجديد، وهي برامج مجانية تنفق عليها تلك الدول ويدعمها الاتحاد الأوروبي كذلك، وتتلخص عموماً بمحاضرات دورية يراعى فيها وقت الوافد الجديد، بل ويتم تقديمها حسب لغة هذا المهاجر الجديد، ويتم فيها شرح كامل الحقوق التي عليه والواجبات المنوطة به مع توضيح للبيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذا الوطن الجديد، المشكلة في تلك الدول أن غالبية الوافدين من الدول العربية من المسلمين لا يندمجون، وسرعان ما يبحثون عن تجمعات سكنية متلاصقة تشكل أحياء خاصة بهم، يتكاثرون بها وبعد سنوات (مثل السنوات التي نعيشها الآن) يبدأون بمحاولات فرض قوانينهم «الشرعية» في بلاد قبلتهم بلا شروط مسبقة.
المعادلة لا تستقيم من دون توازن طرفيها، فالعربي بحكم ثقافة الخيبة التاريخية، التي شكلت لديه عقدة الاستعلاء الديني الواهمة في داخله، هو عادة منغلق على نفسه وللإنصاف فهذا يقابله مزاج أوروبي صعب يقيده الحذر في تقبله للقادمين الجدد إليه، مزاج تحكمه الشكوك، وإرث طويل من رواسب عقد التفوق التي بدأت تنحسر وبقي وجودها محصورا في جيوب يمينية لا تشكل أغلبية، فقد استطاعت أوروبا بعد حربين كونيتين أن تشكل منظومة قيم اجتماعية عامة هي ذاتها التي أنتجت منظومة حقوق الإنسان بكل معاهداتها واتفاقياتها.
* كاتب أردني مقيم في بلجيكا.