«براين إي. إيركت»، الذي أصبح ثاني مسؤول يوظف في منظمة الأمم المتحدة بعد تأسيسها عام 1945، وساعد على تأسيس الهيئة الدولية وإدارتها حتى السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، وتوفي يوم الثاني من يناير الجاري في منزله في تيرينغهام، بولاية ماساتشوسيتس، عن عمر 101 من الأعوام. ابنته ريتشل إيركت أكدت نبأ الوفاة، لكنها لم تكشف عن سبب معين لها. إيركت، الذي كان مستشاراً رئيسياً لخمسة أمناء عامين للأمم المتحدة، لعب دوراً مركزياً في ترجمة مبادئ الأمم المتحدة التأسيسية إلى أفعال. وكان يقول إن عمله في الأمم المتحدة مدفوع بـ«مثالية من نوع عملي للغاية» بعد تجاربه المؤلمة في الحرب العالمية الثانية. فخلال عمله في الجيش والمخابرات البريطانيين خلال الحرب، كان إيركت شاهداً على المذبحة التي ارتكبها النظام النازي، وكذلك على غرور قادة عسكريين لدول حليفة أدى عدم اتّباعهم للتحذيرات الواضحة إلى آلاف الإصابات التي كان من الممكن تجنّبها. 
وفي منتصف الخمسينيات، وبوصفه المسؤول الوحيد في الدائرة الداخلية للأمين العام في حينها «داغ همرشولد»، ساعد إيركت على ابتكار ممارسة حفظ السلام الأممية من خلال تأسيس قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة، التي أُرسلت في عام 1956 للإشراف على وقف الأعمال الحربية في منطقة قناة السويس بين مصر وإسرائيل. ويمكن القول إن أعظم تركة لإيركت كانت في عمليات حفظ السلام الأممية، وهي ممارسة غير مذكورة في ميثاق الأمم المتحدة، لكنها قامت في البداية على نشر جنود محايدين غير مسلحين أو مسلحين تسليحاً خفيفاً بين الأطراف المتحاربة، من أجل المساعدة على مراقبة اتفاقات الهدنة أو تطبيق اتفاقيات السلام. ثم أصبحت قوات «القبعات الزرق» التابعة لها مشهداً مألوفاً في مناطق الأزمات حول العالم. 
وإذا كان إيركت قد قضى معظم حياته المهنية في الأمانة العامة للأمم المتحدة في نيويورك، فإنه اضطلع بدور مهم كوسيط بارز ودبلوماسي بارع في حل مشاكل بعض من أعقد مناطق النزاعات في العالم، مثل الكونغو وقبرص وكشمير وناميبيا والشرق الأوسط. وفي هذا السياق، قال بروس جونس، وهو مدير سابق لـ«مركز التعاون الدولي» التابع لجامعة نيويورك: «لقد أظهر بريان إيركت أنه يمكن المزاوجة بين المبادئ والسياسة عملياً للمساعدة على تجنب الحروب وإنهائها»، مضيفاً: «وهذا كان جوهر الأمم المتحدة منذ ذلك الحين». 
مسيرة إيركت المهنية في الأمم المتحدة تزامنت مع فترة ازدياد التفاؤل خلال السنوات الأولى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، مروراً بمعاناة إنهاء الاستعمار التي ضاعفت عدد أعضاء الأمم المتحدة ثلاث مرات، إلى سنوات الشلل إبان المواجهة الأيديولوجية زمن الحرب الباردة. 
وفي عام 1957، لعب إيركت دوراً محورياً في إنشاء «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، التي وصفها بـ«أول قطيعة كبيرة في (معركة) الحرب الباردة» على خلفية خطر الإبادة النووية. وعلاوة على التزاماته الرسمية، كان إيركت بمثابة مؤرخ المؤسسة غير الرسمي بالنسبة للأمم المتحدة، محدداً فهم الجمهور للأمم المتحدة من خلال كتاب مذكراته الشهير «حياة في السلم والحرب»، ومقالات طويلة في «ذا نيويورك ريفيو أوف بوكس»، حيث واصل الكتابة حتى التسعينيات من عمره. وفي عام 1986، سحب اللقب الذي كان يمنحه لنفسه كـ«أقدم ساكن للأمم المتحدة». 
وطوال مشواره المهني، دافع إيركت عن رأي مفاده أن صانعي السلام التابعين للأمم المتحدة ينبغي أن يتفاوضوا مع أي أطراف لها تأثير، مهما كانت بغيضة، وقال لصحيفة «نيويورك تايمز» في 1981، بعد أن تفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية من أجل وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل من لبنان: «ليست لدينا تلك القيود النفسية بخصوص من يمكننا التعامل». كان إيركت واحداً من المسؤولين الأمميين القلائل الذين كانوا يحظون بقبول لدى الإسرائيليين والفلسطينيين معاً كوسيط. وفي فبراير 1982، قبل غزو إسرائيل للبنان ببضعة أشهر، أُرسل إيركت إلى المنطقة في جولات دبلوماسية مكوكية التقى خلالها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن (الذي كان يعتبر إيركت «رجل شجاعة») وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات. 
ولئن عمل إيركت على مدار الساعة من أجل التوصل لتسوية، فإنه حصل على هدنة مؤقتة، لكنه أدرك في نهاية المطاف أن المفاوضات عقيمة. وقال لصحيفة «ذا تايمز»: «لقد أنقذنا منظمة التحرير الفلسطينية كالعادة»، مضيفاً: «لكن إسرائيل استغلت وقف إطلاق النار لاحتلال المرتفعات المحيطة ببيروت». 
وكوجه عام للأمم المتحدة، تعرض إيركت لانتقادات لاذعة أحياناً. وكان يقول إنه أصبح يتوقع خصومة من الأيديولوجيين المحافظين الذين لهم دعم قوي لإسرائيل في صراع الشرق الأوسط. وكتب إيركت ذات مرة يقول: «عندما تدخل الولايات المتحدة إلى مساومات الشرق الأوسط، يميل سعر كل السجاجيد إلى الارتفاع، وتتضاءل احتمالات التوصل لاتفاق». 
في الأمم المتحدة، كان إيركت حريصاً على الالتزام بتوازن دقيق في منظمة من دون سلطة سيادية ولكنها تستمد القوة من الوفاق بين راعييها الرئيسيين، الولايات المتحدة وروسيا. غير أنه إبان الحرب الباردة، كان هذان البلدان خصمين نوويين، ما جعل التقدم يبدو بعيد المنال. 
«في ثلاثة أرباع المرات لا تصل إلى شيء، لكن من حين لآخر تنجح بما يكفي فقط لجعل الاستمرار يستحق الجهد»، كما قال في عام 1972 في وصف الفعالية السياسية للأمم المتحدة، مضيفاً القول: «من حين لآخر، يعتقد المرء أن الأمر ميؤوس منه، لكن بشكل تراكمي يكون الأمرُ ناجحاً بالفعل».

*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»