تشير نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية إلى فوز مؤكد للمرشح «الديمقراطي» جوزيف بايدن لكي يصبح الرئيس السادس والأربعين في تاريخها. ورغم الطعون الانتخابية المثارة والدعاوى المرفوعة أمام المحكمة الاتحادية العليا بوجود خلل وأخطاء في سير العملية الانتخابية في بعض الولايات المهمة والحاسمة التي خسر فيها الرئيس الحالي والمرشح «الجمهوري» دونالد ترامب، إلا أن الرئيس المنتخب بعد إعلان فوزه في الانتخابات التي كانت صعبة ومريرة لم يضيع الوقت وهو ماض في وضع يده على الحكومة الفيدرالية التي سيترأسها في العشرين من يناير 2021، فهو يعقد الآن سلسلة من الاجتماعات غير الرسمية في الولايات والمناطق الرئيسية كنيويورك وكاليفورنيا وواشنطن العاصمة «واشنطن دي. سي» ساعياً للاستماع والحصول على النصيحة حول السياسات المستقبلية، التي يريد انتهاجها، والأشخاص الذين سيضمهم إلى إدارته القادمة، والعديد من التفاصيل الصغيرة الأخرى اللازمة لتجميع فرق العمل التي سيستعين بها في إدارة شؤون البلاد.
والحقيقة هي أن الذي عادة ما يُقترح على الرؤساء المنتخبين هو التركيز على القضايا الكبرى الحقيقية التي تهم الأمة الأميركية وترك الثانوية منها لأعضاء إدارته، لكن مع ذلك هو يعلم بأن بعض القضايا الصغيرة سيتم حتماً إثارتها في وجهه لكي يتم تصويرها أو تحويلها إلى مشاكل كبيرة لكي تسترعي انتباهه وتشغله، لكن الرؤساء الحكماء منهم كانوا قادرين بقدر الإمكان على استيعاب ذلك وعدم السماع لأنفسهم أو إتاحة الفرصة أمام مناوئيهم للانشغال بذلك كثيراً وتقييد أنفسهم أو هدر أوقاتهم الثمينة في معالجة مشاكل صغيرة ليست بذات أهمية، لأن من شأن ذلك تشتيت انتباههم وصرفهم بعيداً عن حقيقة أن القضايا الكبرى هي التي تقرر مستقبل مسار الأمة، ونظراً لخبرته السياسية الطويلة التي تربو على أربعة عقود، فإن الرئيس المنتخب سيكون واعياً ومدركاً لكل ذلك بوضوح.
وربما أن النصائح التي ستُقدم إلى الرئيس المنتخب كثيرة، لكن هناك ثلاث مسائل مهمة لا بد وأن يتم التطرق إليها، وهي:
أولاً، خلق منهج جديد تجاه الحكومة يهدف إلى إعادة وضع النظام الاتحادي للولايات المتحدة الأميركية وفقاً لما نصت عليه مواد الدستور.
وثانياً، إعادة اللُحمَة الأميركية إلى سابق عهدها بعدما تعرضت له من انشقاق خطير وحاد بين من هو «جمهوري» وبين من هو «ديمقراطي»، وهذا خلل خطير لا بد من العمل على إيقافه واجتثاثه من جذوره، لأن المسألة ليست الانقسام إلى فريقين متناحرين، لكنها اختلاف سياسي وفكري في وجهات النظر حول كيفية تحقيق المصلحة الوطنية العليا، على أساس من أن لكل طرف منهجه وأسلوبه الذي يتوصل من خلاله إلى ما يريد بالوسائل السلمية والديمقراطية المتاحة.
وثالثاً، إعادة ترتيب سياسة البلاد الخارجية وفقاً لما يحقق مصالح الولايات المتحدة العليا، في الوقت نفسه، الذي يتم فيه الأخذ بعين الاعتبار مصالح الشركاء والحلفاء والمتعاونين في كل بقعة من بقاع الأرض.
ما ينتظر الرئيس المنتخب يقع ضمن قائمة طويلة من الأعمال المهمة، فهو يواجه تراجعاً غير مسبوق في الاقتصاد بسبب جائحة كورونا، التي تسببت في سلسلة طويلة من المشاكل الأخرى التي مطلوب منه معالجتها وحلها.
ما يوجد من مشاكل في هذه المرحلة يتضمن: إصلاح النظام الإداري، لكي يعمل بشكل أفضل، والسيطرة على حدود إنفاق الحكومة الاتحادية، وعدم زيادة الضرائب بشكل يزيد من تفاقم المشكلة الاقتصادية، وإيجاد المزيد من فرص العمل للأميركيين؛ والعمل على عودة المزيد من المشاريع التي هاجرت إلى الخارج إلى الداخل، والعمل على خلق المزيد من فرص الاستثمار والادخار، والتقليل من فرض الإجراءات الحكومية التي تقف في وجه العمل الحر، والعمل على المزيد من مشاريع حماية البيئة وتقليل مخاطر إصابات العمل، والتقليل من مصاريف إدارة الحكومة الاتحادية، وأخيراً العمل على توفير لقاح ناجع لمعالجة فيروس كورونا، بالإضافة إلى إيجاد مخارج جديدة لتوفير نظام تأمين صحي يخدم جميع الأميركيين بوسائل أفضل وتكاليف أقل، والقائمة تطول. خلاصة القول هي إن ما سيواجهه الرئيس المنتخب من مسؤوليات كثير جداً.
*كاتب إماراتي