مع تطور العلوم والتكنولوجيا الحديثة، أصبحت الأسلحة الصامتة التي لا تحدث صوتاً ولا ترى بالعين المجردة، وتسخير قوى الطبيعة لإحداث الدمار الشامل أخطر من أي قنبلة نووية، ناهيك عن القنابل الكهرومغناطيسية، التي من شأنها أن تعيد المنطقة المستهدفة إلى القرون الوسطى، وهنا تظهر معضلة حق الدفاع عن النفس، وما يرتبط بها من قدرة عسكرية عالية ووحدة إرادة وطنية في مواجهة وحدة التهديد، ولكن إذا كان مصدر التهديد غير معروف ولا يمكن قياسه، فكيف سيتم حشد الدفاع ضده أو ردعه؟ وما هي قوى الدولة الشاملة التي يجب أن تُخصص للمخاطر والتهديدات، التي ليست ضمن الرادار الأمني والاستخباراتي؟ وكيف سيكون هناك أمن خليجي في ظل غياب الأمن الإقليمي؟ والمعضلة الأمنية هنا هي أن يصبح منافسك حليفك وعدوك صديقك!
وأما فيما يخصّ التهديدات الأخرى فهي كثيرة: كفرض أسلوب حياة جديد على البشرية، من خلال تهديد عالمي كجائحة كورونا، وسيتبعها الأزمة المالية أو الحدث المناخي الأكبر، وهي مسألة وقت وسترون ربيعاً عالمياً تخرج فيه الشعوب، وخاصة في الغرب، في مظاهرات ضد حكوماتها وتوابع كوفيد-19 وتغيّر العالم بعدها بلا رجعة، ويتزامن ذلك مع الفجوة المعرفية، وهنا نتحدث عن المعرفة التنافسية المستدامة، التي تصنع الفارق والتميّز النوعي في حماية النفس وتأمين المصادر للبقاء، وكيف سيقود التغيّر المناخي وتوزيع المياه الصالحة للشرب في العالم والهجرات التي ستتبع ذلك، والتلوث الذي سيجعل الدول التي تعتمد على التحلية في مأزق حقيقي، وهذا ينطبق على الغذاء كذلك ومخازن المحاصيل السرية، والصراع على المنافذ البحرية والممرات، والتي يجب أن تخضع لسلطة دولية، ومن التحديات الأخرى أيضاً كون الخليج العربي يقع بحكم التاريخ والجغرافيا في منطقة الصراع العالمي على الهيمنة، ومدّ النفوذ على الكرة الأرضية منذ القدم، ولن يتغير شيء بهذا الخصوص، بغض النظر عمن يحكم، ومن يسكن في المنطقة.
وتتحدث بعض التقارير الاستخباراتية الغربية عن الطموحات العسكرية النووية، وكأنه أمر مستغرب في ظل إنتاج صواريخ باليستية تحمل رؤوساً نووية قادرة على ضرب أهداف على بعد آلاف الكيلومترات في دول الجوار، ومخاوف من سباق تسلّح في المنطقة، وتبرز هنا أهمية التعاون الخليجي العربي، لكون الخطر والتهديد هنا يمسّ الأمن الإقليمي ككل، والردع يجب أن يكون مشتركاً، وأن لا تأخذنا العاطفة حيال ذلك.
كما أن البرلمانات في الدول الكبرى تشجع حكوماتها، بعدم بيع النظم الدفاعية الصاروخية المتقدمة لدول المنطقة، وحرمانها من تكنولوجيا التسليح المتقدمة، وبين طائرات من دون طيار وأسلحة حروب ناشئة، لا يبرح الأمن الخليجي مكمن الخطر، ورياح التغير ستهب حتماً وتقتلع الرافضين للتكامل الأمني الإقليمي وفق المصلحة قبل الجغرافيا، وتأمين الداخل من خلال الخارج، وهذا الأمر يحتم قرارات لن تستسيغها البعض، كالدخول في علاقات مع دول تعتبر عدواً تاريخياً، أو محاصرة وفرض عقوبات على بعض الدول العربية، التي تسمح أن تكون أراضيها قاعدة لتهديد شقيقاتها، وتعبث بالأمن القومي العربي لكون الخليج العربي هو العمق الاستراتيجي للأمن العربي ككل، وهذا إذا ما قسنا ذلك في ميزان القوى الحديث الذكي، الذي يقيس حجم التأثير، بعيداً عن المساحة والحجم والتعداد السكاني، وغيرها من المعطيات التي تتعلق بالموارد الطبيعية الجغرافية.

*كاتب وباحث إماراتي متخصص في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات