جولة في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي قد تكون منبراً للتعبير عن الآراء والأفكار والتوجهات بصراحة، فلا مقصات تقص وتحذف، ولا فلاتر تتدفق منها الأفكار الجميلة المنتقاة فحسب، يتبين أن تراجع التدين في أوساط الشباب العربي بات ظاهرة. وفضلاً عن التراجع المُلاحظ، فثمة أصوات - ليست بالقليلة - انتقلت إلى حالة الهجوم على الدين، وإنْ تحت أسماء مستعارة، خوفاً من الملاحقات القانونية. 
وفي استطلاع أجرته مؤسسة «الباروميتر العربي»، وشارك فيه نحو 25 ألف شخص من عشر دول عربية، أظهرت نتائجه تغيراً لافتاً في الموقف من الدين في الفترة من 2018 إلى 2019، مقارنة بسنة 2013، خصوصاً لمن هم دون سن الثلاثين، حيث «ارتفعت نسبة الذين يصفون أنفسهم بأنهم غير متدينين من 8 في المئة إلى 13 في المئة. ووصف ثلث التونسيين وربع الليبيين أنفسهم هكذا. أما في مصر، فقد تضاعف حجم هذه المجموعة، بينما تضاعف حجمها أربع مرات في المغرب». 

وليس ثمة حاجة لسؤال جماعات الإسلام السياسي عن السر وراء هذا التراجع في التدين، فهي لا تعرف أي إجابة سوى تلك الإجابة البليدة التي ترددها في كل مناسبة، والتي تتمحور حول جاهلية المجتمعات. والحقيقة أن جاهلية جماعات الإسلام السياسي، ودول الإسلام السياسي، هي التي أدت إلى عزوف الشباب عن التدين. وكلما زاد تغول هذه الجماعات تراجع التدين في المجتمعات، فالإنسان العادي ليس أمامه إلا أن يربط بين سلوك هذه الجماعات والأفكار التي تقوم عليها، ولا يُلام حين يتصوّر الدين أداة سياسية، وهو يستعمل فعلاً كأداة من قبل دول وأنظمة.
ماذا كانت الثمرة - منذ أن صار الممثل للإسلام تلك الجماعات بشتى أنواعها وعلى اختلاف مذاهبها العقائدية والفقهية - غير التزمّت، وعدم قبول الآخر، والاستعلاء على المختلف، وعداوة العالم، وإخضاع البشرية، والتشدد في العبادات، والتهاون في المعاملات، والتدخل في شؤون الآخرين، ومحاسبة الناس والوصاية عليهم، والصدام مع الفن والموسيقا والأدب والثقافة والسينما، والكفر بالأوطان، ورفض فكرة المواطنة، ناهيكم عن القتل والتفجير والتفخيخ والفتنة والخراب؟! 

ماذا رأى الشباب في الدين - الذي احتكرته تلك الجماعات الجاهلية – غير السعي المحموم نحو كراسي السلطة مهما كانت الكلفة، بالخلايا والحركات والجماعات والشبكات والمنظمات والتحزبات باسم الله، وعبر أخس الوسائل من كذب ودجل وتحريف، وتحت أنقى الشعارات من هداية للحيارى ودعوة إلى الله، لإقامة خرافة كبيرة الحجم اسمها «دولة الخلافة»، أو حتى الخرافة الأخرى التي يسوقونها أمام الغرب وهي دولة الديمقراطية الإسلامية؟!

وإذا كان الإسلام يتعرض لعملية استغلال واسعة من قبل الإسلام السياسي، سواء تجلى في شكل جماعات كـ«الإخوان»، أو دول كتركيا وإيران وغيرهما، وأدت وتؤدي هذه العملية الشريرة إلى تراجع التدين في أوساط الشباب العربي، فقد قيض الله لهذا الدين من يبرزون وجهه الحضاري والإنساني، ليبقى هدى ورحمة، ينفون عنه تحريف المغالين وتحريف الجاهلين وانتحال المبطلين.
*كاتب إماراتي