من محطتنا الإذاعية المتألقة، ذات الحضور المميز ببرامجها ومذيعيها، إذاعة أبوظبي، تأتينا مقاطع صوتية بصوت يلامس العقول والقلوب للوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهو يوصي أبناءه المواطنين ويحثهم على العمل والبذل في مختلف جوانب الحياة لما فيه نفعهم ونفع البلاد والعباد، ومن تلك المقاطع مقطع يوصينا فيه بأن نعلم ونعرف بناتنا وأبناءنا بتاريخ آبائهم وأجدادهم ليدركوا تاريخ وطنهم وأهلهم.
برزت أمامي تلك الوصية الغالية والثمينة للوالد المؤسس، الحاضر بيننا بقوة متربعاً على القلوب وفي ذاكرة الأجيال، بينما ينهض الأرشيف والمكتبة الوطنية في رحاب النهضة الشاملة لقائد المسيرة المباركة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بجهد استثنائي يتجاوز المفهوم التقليدي لمثل هذه المؤسسات في مجال التوثيق، مبحراً نحو آفاق ومقاربات جديدة لتعريف الأجيال بمفردات وفصول ومراحل وأدوات تتعلق بالتاريخ العريق للإمارات وارتباط الإنسان الإماراتي بكل تفاصيل ورموز هويته الوطنية، وذلك بتوجيهات قيادتنا الرشيدة، ومتابعة دؤوبة من سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة.
ومن ثمار ذلك الجهد الاستثنائي إطلاق الأرشيف والمكتبة الوطنية موسوعة تاريخ الإمارات العربية المتحدة لتكون دليلاً شاملاً عن حضارة دولة الإمارات وتراثها وتاريخها. موسوعة تقدم «تاريخ الدولة وإنجازاتها الحضارية والمعرفية للباحثين والأكاديميين في العالم، انطلاقاً من كونها توثيقاً للتاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي بكل تفاصيله»، انطلاقاً من أن «الذاكرة الوطنية أحد عناصر قوة الدول، وصلابة نسيجها الوطني، ووضوح هُويتها الجامعة، وداعم لتعزيز الولاء لها والانتماء إليها».
وخلال ليالي شهر رمضان الكريم، الذي يودعنا، نظم الأرشيف والمكتبة الوطنية برنامج أمسياته على امتداد أربع جلسات أسبوعية في مجلسه الرمضاني، سلط فيها الضوء على التراث العريق لدولة الإمارات.
وقد تشرفت بحضور الأمسية الرابعة والأخيرة لذلك المجلس الرمضاني، وقد كانت محاضرة حول «الفنون الشعبية الإماراتية.. أصالة مستدامة»، وشهدنا لوحات حية عن بعض من تلك الفنون كالندبة والعيالة، والرواح والحربية، واليولة وغيرها. وأحاطنا المتحدثون بتفاصيل دقيقة عنها وطبيعة أدائها وأدواتها أثرت في الحضور. وذلك في إطار دور هذا الصرح الفكري والمعرفي الكبير «لإثراء مجتمعات المعرفة، وتعزيز الوعي بالتراث العريق كركيزة مهمة في الحفاظ على الهوية». فلهم منا كل الشكر والتقدير، وبالتوفيق في هذه المهمة العظيمة والرسالة السامية.