هبوب الرياح، أسقط أوراق السدرة الخضراء، جاء المطر وغسل الدروب والأشجار. الأخضر جميل، كل نبتة خضراء تزرع في القلب الأمل، وحب الحياة. الأخضر عندما يكسو الأرض ويمتد مثل البساط البديع، يشعرك بالفرح والسرور، حتى لو كان ميداناً أو ساحة في وسط الحي، أو المنطقة التي تسكنها، لذلك جاءت الحدائق والساحات المزروعة بالأخضر لتضفي على الحياة البهجة والهدوء والسكينة. الإنسان صاحب الأيادي الخضراء والبيضاء بالعطاء، هو أحب إلى الله والناس جميعاً، دائم الذكر في الغياب أو الحضور. لكن هل يورث العطاء وهل يتأثر الأبناء بالجذور والمنبت الكريم الأخضر هذا، والمؤمن بأن الحياة عطاء ودروب للخير والصفاء والوفاء، ومنبت الإيمان بالله والحياة؟ نعم بالتأكيد، لأن الشجرة المعطاء لابد أن تطرح ثماراً وبذوراً مثل الشجرة الأم. وقد يضيف الإنسان والأبناء ما يزيد ويحسن ذلك الجمال من عطايا الأشجار، ويبدع في تنوع الثمار وازدهار الحياة. يأتي ذلك عندما يحب الإنسان الأرض ويعطيها كل جهده وعمله واهتمامه، ولعل الأوائل الذين أحبوا الاخضرار والزراعة، هم من أبدع في غرس النباتات والأشجار وتنوعها، وهم من دفع بأن تسير الحياة إلى الأمام دائماً.
 ذلك المزارع الذي عشق الأرض والزراعة هو صانع مستقبل الثروة الطبيعية «الزراعة». وفكرة التنوع في المحاصيل، ثم فكرة التطعيم للأشجار والحصول على إنتاج أوفر أو أكثر ثماراً وفائدة، وأبدع الأفكار الجديدة، إن استغلت، لتوفير وزراعة الأنواع المهمة من المحاصيل. الآن في الإمارات ترسخت الزراعة والتنوع واستخدام فكرة التطعيم وجلب كل الأفكار الجديدة، لاستغلالها في المشاريع الزراعية الواسعة، وظهور نتائجها على نطاق واسع. الأرض الخضراء والشجرة الخضراء، هي الأمل والمستقبل الذي يجب أن يعول عليه، وأن يسعى الجميع لجعل الزراعة هي الرديف الأول والمهم، إلى جانب الثروة النفطية والاقتصادية الأخرى. ولعل الفكرة الأولى والرائدة، التي اعتمدتها الإمارات، منذ التأسيس، هي العناية بالشجرة وجعلها عنواناً للحياة، والنهج الزراعي هو الإرث الخالد الذي يجب أن يتبع الجميع مساره، وما زال مستمراً تحت شعار: ازرع وعمّر الصحراء بالأخضر حتى تقطف ثمار المستقبل.
 هذا الطريق ما زال ممتداً، والأفكار تورث ويزداد تمسك الأجيال الجديدة بها. نعم مفرحة هذه العناية بالشجرة والمشاريع الزراعية المتنوعة، التي نشاهدها في بلدنا الجميل. ورثنا طرقاً مهمة في دروب الحياة الزراعية وعلينا العناية بالشجرة وزيادة الإنتاج الزراعي وتنوعه. زرعت في منزلي شجرة سدر، واخترت شجرة مطعمة، أملاً في الحصول على ثمر متنوع، امتد الغصن الأول سريعاً وصعد إلى الدور الثاني، بينما نام الغصن الآخر على الجدار وخرج إلى الطريق. ذلك الذي صعد عالياً له أوراق صغيرة وأشواك كثيرة، كبر سريعاً، وحتى الآن لم يخرج أي ثمرة، بينما ذلك الغضن الذي نام على الجدار وخرج إلى الطريق، أثمر بوفرة، له أوراق كبيرة وزاهية الاخضرار وحبات السدر (النبج) كبيرة وجميلة. من نفس الجذع والشجرة، غصنان، أحدهما معطاء كريم وجميل، بينما الغصن الآخر غير ذلك، ذو أوراق صغيرة وكثير الشوك، وحتى الآن لم يثمر، رغم كبر نموه وصعوده عالياً. تماماً، كما هو الإنسان من نفس العائلة أو الشجرة، يخرج الطيب والأمين والجميل، وقد يخرج الضد أيضاً.