صرخت: لا تترجلي، لا يزال الدرب ممتداً، أحتاج من يرافق طريقي ومسيرتي ودروبي. كلنا نحتاج وجودك، حضورك مساحة من الاطمئنان وراحة البال، لا أطيق رؤية دمعة الأحباب تسقط مثل المطر والبرد، صحيح أن الصغار قد كبروا، ولكن يظل الجميع أطفالاً يلجأون إلى حضنك الدافئ، أنت الأم الجميلة الرحومة والمحبوبة من الجميع، لن أقول وداعاً، بل إنني سوف ألحق بالركب يوماً، ويجمعنا الله في جنته الواسعة.
 رحلت لتجلبي الغيم والمطر للأرض، لقد غسلك المطر والثلج والبرد، تماماً كما هي سكناك في جنة الخلد إن شاء الله. كانت الإمارات ممطرة وبيضاء بالبرد لحظة وداعك، تماماً مثل سنوات العمر التي جمعتنا، بيضاء وصافية كالثلج، من دون أن نتكدر يوماً، ودون أن تأتي لحظة فيها اختلاف. كنت شجرة ياسمين لا تطرح غير الورود البيضاء، نبتت شجيرات تحت هذه الياسمينة الكبيرة والزاهية بالاخضرار، هذه الشجيرات تنمو الآن في التربة المباركة، أرض الإمارات الحبيبة، وتأخذ طريقها في الحياة، وأنا أمضي وحيداً.
الإمارات أرض الحب والسكينة والأمان والسلام، دائماً تعطي الخير والحب العظيم في كل شيء، الأماكن والناس والحياة الجميلة. قطعنا مسافات ودروباً كثيرة نحمل الجمال والصدق والسلام. كان الوداع صعباً وقاسياً، ولكنها هكذا الحياة، وإرادة الله، وكلنا على الطريق ذاتها نسير. كل الحزن يمضي وينتهي في أرض السلام والأمن والأمان، لقد وهبنا الله بلداً جميلاً يداوي جراحنا ويحتضننا احتضان الأم لأطفالها، وننعم بظله، وحبه يعوضنا عن الكثير، وذلك بروعة مدنه وأرضه، نحمي مكتسباته بسواعد الأبناء الذين أهديناهم له، فصنع منهم رجالاً يحمون أرضه وأمنه، وصعدوا به إلى العلا بين أجمل البلدان والأمم. تمضي الحياة هنا بين العزيمة والقوة والسكينة، نحن أبناء هذا الوطن نتوقف قليلاً لمسح الدمعة، وما قد يعترينا من ألم وأحزان خاصة، ولكن ننهض بعد حين لمساندة أرضنا ووطننا في المضي قدماً في التطوير والعمران والبناء. 
بالتأكيد، إن مسيرة وحياة الإنسان قد تتعرض لبعض الانكسارات والآلام، وذلك لفقد عزيز أو رحيل حبيب، ولكن نؤمن بإرادة الله، وما كتبه واقع لا محالة. ولكن تعلمنا أن نؤمن ونطمئن أن الحياة سوف تمضي، والمهم أن تظل ذاكرة الأحباب والأهل الذين رحلوا باقية معنا، وأن ندعو لهم بالرحمة والمغفرة دائماً وأبداً. كان صباحاً حزيناً ذلك الذي ودعنا فيه الياسمينة الوديعة، الودودة والجميلة، أم حمد، مفاجأة هزت أركاننا، ولكننا مؤمنون بإرادة الله ونعلم أن لكل واحد منا يوماً لا يتقدم أو يتأخر عن الوعد الحق. غسل حزننا المطر الذي جاء مدراراً بعد الرحيل، وأيقنا أن طريقها أخضر ومفروش بالورد والياسمين. ألف رحمة على الأرواح الجميلة وعصافير الجنة التي ودعت حياة الدنيا، لتسكن في جنان النعيم، إن شاء الله. الإمارات بجمالها وسلامها وأمنها هي القوة وحائط السكينة لنا، وحدها من يعوض ويشفي الآلام ويحمينا من كل مكروه. عندما يسكنك حب الأرض والوطن وتؤمن بمسيرته المباركة تطمئن إلى أنك ستعيش في سلامة وأمن وأمان.