بعد أن تقترب السفن من المرفأ، ينشر البحارة أشرعتها على سطح البحر. الأشرعة القديمة لا تغوص في الماء/ البحر وتذهب إلى القاع، بل تسبح، بين السطح والقاع، إنها مغرية، بأن يلعب الصغار بها ويغوصوا بجانبها أو تحتها، ثم عبورها من طرف إلى آخر. أصعب مغامرات الصغار ومسابقاتهم البحرية، تلك المجازفة، بأن تغوص وتعبر الشراع من تحت الماء/ البحر، بحيث يظل الشراع الكبير مثل خيمة كبيرة، وأنت مثل سمكة صغيرة تغوص وتسبح تحته بتحدٍّ للعبور بسلام. لقد نجوت يوماً من هذه اللعبة الصعبة والخطيرة بعد محاولات العبور تلك، وبالكاد تجاوزت ذلك الشراع الطافي فوق البحر. وأدركت بعدها أن لعب وتفكير بعض الأطفال، غاية في الصعوبة وقد يؤدي إلى المخاطر. قد يكون لهم خيال جامح أو حب مخاطرة، ولكن بالتأكيد ليس كل محاولة أو نجاح صغير، لأحدهم، يمكن أن يكون ناجحاً لبعض آخر. 
عوالم الطفولة ومغامراتها تصادفك في رواية الكاتب خورخيه ماورو «شجرة البرتقال الرائعة» وتتناول حياة أطفال فقراء في البرازيل، وكيف تحول الظروف الاجتماعية أحياناً من دون تحقيق الأحلام. فيتناول حياة الأطفال، وألعابهم وظروفهم، ويقدم ذلك الطفل الصغير الذي يتعرض لكثير من الصعاب، بدءاً من الفقر الشديد وانتهاء بأنه دائماً ما يزجره الأهل والمدرسون وأصحاب المحال والمتاجر، وذلك لشقاوته، وتجاوزه على بعض النواهي والأعراف الاجتماعية. وحدها معلمته تعطف عليه وتهتم بظروفه وتتفهم سبب تلك الشقاوات الصغيرة. ولذلك فهي الوحيدة التي يحبها. وكل صباح يقطف من حديقة جيرانه وردة لتزين مزهرية المعلمة الفارغة دائماً من الزهور، حيث لا أحد يقدم الزهور سواه. وينهره ويعاقبه صاحب الحديقة، ولكن لا يتراجع، ويظل يقطف الورد كل صباح من أجل معلمته. ويشكوه صاحب الحديقة للمدرسة والمعلمة، وتؤنبه المعلمة، ولكن يرد، بأنه فقير ولا يستطيع أن يشتري وردة، وهو يحب المعلمة كثيراً، ولا يحتمل أن يشاهد مزهريتها فارغة، حيث لا أحد يقدم لها وردة سواه. وتقنعه المعلمة بأن لا يقطف الزهور لأجلها، فيجيب بأن الورد والأزهار من صنع وعطايا الخالق ولذلك ينبغي أن تكون للناس جميعاً. ويستمر هذا الطفل الصغير يمارس ألعابه في الطرقات والشوارع مع أصحابه، وكثيراً ما لا يقدّرون أبعاد بعض الألعاب الصغيرة التي قد تجلب لهم المتاعب، حيث يرشقون الطيور بالحجارة أحياناً وقد يصيبون زجاج النوافذ، وينهرون وقد يعاقبون، ولكن تظل حياة الطفولة دائرة على الدوام بين الجد واللعب وبراءة الأطفال. 
ولعل أجمل مقطع حقاً في هذه الرواية، هدية الورد إلى المعلمة، وتحول حياة هذا الطفل الصغير/ الشقي، عندما يعجب بسيارة جميلة، زُينت بأجمل الإكسسوارات، لتصبح عروس السيارات، فيصبح صاحبها من أعز أصدقائه، يطوف به في سيارته الجميلة، وهذه كانت ضمن أحلام ذلك الصغير، وينتهي كل الغضب والشيطنة من حياته. رواية جميلة جداً.