هطل مطر غزير، بعد هبوب الرياح القوية طافت سحب في السماء، اختبأت الشمس خلف غيمة. وحده صاحب الكوخ، ذلك المنعزل في البعيد والمتوحد مع الطبيعة، سعيد في كوخه الدافئ ومبتهج لوضعه وحياته اليومية، مندمجاً مع نهاره وليله والشمس التي تشرق ضاحكة دون حجاب أو حاجز، حتى وإن ظهرت الغيوم في بعض الأيام وأمطرت غزيراً، تعود الشمس للظهور وتذهب في خط سيرها إلى الغروب، النور لا تحجبه السحب طويلاً، وذلك المتوحد مع ذاته والمتمسك بكوخه الصغير دائماً، سعيد بالحياة التي اختارها لنفسه.
 يظهر الكوخ على تلة قريبة جداً من البحر، تحيط به الشباك وأدوات صغيرة تعين صاحبه على الحياة. لا يهتم بتوالي الأيام ومضي الوقت، فهو مشغول في كل أوقاته بين شباكه والصيد،، هجر المدينة وصخبها، صنع له حياة جديدة، قوامها ليل طويل تحرسه النجوم، ونهار يمضي مع انشغالاته الصغيرة، إما أن يطرح الشباك أو يقوم بإصلاح ورتق ما تمزق أو عطب من أدوات صيده، أو يراقب الطيور والأسماك في المياه الضحلة. حياة تبدو أنها خاصة جداً، لا يقوى عليها غير القليل والنادر من الناس، قد تبدو رتيبة بين عمل متكرر كل يوم، مع ليل يمضي في هدوء وسكينة. ولكن عند صاحب الكوخ وعند البعض من أولئك الذين يعشقون الطبيعة، والتوحد معها، هو أمر رائع جداً، شيء يبعث حب الحياة، والتأمل في الكون الفسيح، والاقتراب أكثر من أسرار الطبيعة وجمالها، ثم الشعور بروعة تكوين هذا الوجود. أصحاب الأكواخ المنعزلة والمتوحدة مع الطبيعة، أنواع، متشابهون في التفكير والحب للأرض والتوحد مع الأمكنة، حيث قد يشبه كوخ الصياد كوخ الراعي أو كوخ المزارع أو كوخ صاحب (العزبة) راعي البوش/ الإبل والأغنام، أو حارس الجبال أو البساتين. كل الأكواخ تحتل مكاناً بارزاً وواضحاً للعيان، إما على رأس تلة، أو جرف أو كثبان رملية.
 الكوخ يحتوي على أدوات قليلة جداً وصغيرة، تكفي لشخص واحد، هو صاحب الكوخ، حيث يستغني عن الكثير من الحاجيات والأدوات التي كان يتمسك بها في المدينة، حتى الماء قليل جداً، حياة تبدو أنها تذهب إلى الزهد والاكتفاء بالضروريات فقط، ولكن حياة الأكواخ مليئة بالسعادة والفرح، والكوخ ما هو إلا مكان احتماء من متغيرات المناخ والطبيعة ومباغتاتها المفاجئة في بعض الفصول. جميل أن يكون لك كوخ على حافة بحر أو نهر أو على قمة جبل، أو إطلالة على وادٍ أو سهل أو حتى على شجرة في عمق غابة.. قد يحتاج البعض لكوخ صغير، يمضي فيه بعض أوقاته أو إجازاته، يهجر المدينة وضجيجها، يستريح قليلاً من دوران عجلة العمل. الكوخ يشعرك بالحياة وروعة الطبيعة، تتعرف على أسرارها.. وحده صاحب الكوخ، قد غنم وربح أيامه وحياته، غناء مع الطيور وأصوات المطر وتحليق بحرية، يسافر مع الريح ويرحل مع الغيم والسحب والنجوم والقمر، يتمتع بزرقة البحر والماء واخضرار السهول والحقول، ثم يطير ويحلق مثل فراشات البساتين والحدائق في دنيا الله الواسعة. يرتحل مع القمر والنجوم ويسطع مثل شعاع الشمس وإشراقتها الجميلة.