لو جزمنا بجمالية وجاذبية الدوري الإنجليزي، من دون حاجة إلى المزايدة، وما هو ظاهر رياضياً تراه العيون مجرداً على أرضية الملاعب، أن «البريميرليج» يبتعد في روعة وجمال المنتج الكروي بمسافات عن كل الدوريات الأوروبية المصنفة ضمن «توب 5»، فإننا من تلقاء ذلك نجزم بأن وراء هذا العملاق الذي يغطي أحياناً عين الشمس، ويحجب الرؤية على ما عداه، مؤسسات اقتصادية تعمل بمقاربات فيها الكثير من الجسارة التي يراها الآخرون جنوناً يفضي لا محالة إلى الموت، مؤسسات تبدع أنماطاً للتسويق، وكأنها تنشر كل يوم شمس «البريميرليج» في سماء جديدة، فينضوي ملايين جدد تحت اللواء مستمتعين وحالمين.
البعض وصف ما حدث على سبيل المثال لا الحصر في إنجلترا خلال «الميركاتو الشتوي»، على أنه ضرب من الجنون، فما أنجز من انتدابات أرقامها فلكية تصيب فعلاً بـ «الدوار» في سياقات زمنية مطبوعة بصعود بطيء في سلم النمو الاقتصادي بعد «جائحة كورونا».
مجموع ما أنفقته الأندية الإنجليزية خلال «الميركاتو الشتوي» المنتهي، وصل إلى 830 مليون يورو، وما أنفقه تشيلسي لوحده شتاءً «330 مليون يورو»، فاق كثيراً ما أنفقته كل أندية البطولات الأوروبية الأربع الأخرى «262 مليون يورو»، ولا أحد بلغه أن نادياً إنجليزياً تورط في واحدة من جرائم المال التي تهتز لها «ردهات» الملاعب الرياضية، بل لا أحد من الأندية الإنجليزية التي توجد بعدد كبير في قائمة أكثر 20 نادياً أوروبياً الأكثر إنفاقاً والأكثر تحصيلاً للأموال، حادي الإفلاس أو حتى تصدع قليلاً صرحه الاقتصادي، لماذا؟ لأن سقف البيت حديد، وركنه حجر، وقاعدته خلطة اقتصادية خرسانية.
ومن أوجه متانة ومناعة هذه الصروح الاقتصادية التي تقوم عليها النوادي الإنجليزية، أن بعضها رفع مؤشر التسويق التجاري لهويته وقمصانه فوق مؤشر العائدات المالية الآتية من حقوق البت التلفزي، رغم أن هذه الحقوق التي تم التفاوض عليها مؤخراً للفترة ما بين 2023 و2026، تجاوزت المليار يورو، وقد أقام أكبر مكاتب الدراسات المتخصص في مالية الأندية الدليل على الطفرة التي أحدثتها الأندية الإنجليزية في تسويق منتجها، عندما قال بمنطق الأرقام، إن كثيراً منها سجل ارتفاعاً بلغ 15 بالمائة في قيمة العائدات من التسويق التجاري للمنتج، وكان مانشستر سيتي هو صاحب أقوى ارتفاع، إذ مرت عائدات التسويق التجاري من 266 مليون يورو عام 2018 إلى 373 مليون يورو عام 2022. 
الأمر لا يمكن أن يصور إلا بشكل واحد، أن ما تدلنا عليه الأرقام هي هيمنة كبيرة، يصبح معها ممكناً القول إن الأندية الإنجليزية في وادٍ وكل الأندية الأوروبية الأخرى، حتى الأسطورية منها في وادٍ آخر، فهل بطل لديكم العجب؟