لم يعد اليوم الأرشيف في الإمارات مجرد ذاكرة تحفظ ما تم إنجازه من فعل ثقافي، بل هو الفاعل في هذا المنجز الوطني، وهو المتفاعل في البذل والعطاء، وهو العميق في تناوله فكرة الأرشفة، وهو المتدفق في تحريك المياه الآسنة، وهو النابس في بوح ثقافي مؤثر، وهو القابس في فضاءات الفكر، وهو المتمترس عند جبهات التلقي، وعند ضفاف الموجة المتألقة جهداً ونشاطاً يضيف إلى منجز الإمارات الاقتصادي، ما يجعله محصناً بنون وقلم.
الأرشيف والمكتبة الوطنية اليوم يشكل صرحاً معرفياً نهضوياً وإدراكاً فلسفياً لما هو تاريخ، وما هو تحريض للذاكرة لكي تبقى في الزمان كتاباً، ويبقى الزمان مكاناً تستريح فيه ركاب السفر الطويل، وتهجع الجياد بعد صهيل المواسم الملتحمة مع الضاد بقوة الدلالة وفيض المعنى.
هنا نشعر ونحن نتابع حركة الرياح في هذا الصرح بأن الغيمة ثرية بالماء، وأن المطر سخي، وأن الحصاد سيكون وافراً، والأرض لن تستغني عن ورودها الشتائية في براري الإمارات الساحرة.
هذا هو المعطى في بدايته، وهذا هو البرق المشع وهو ينبئ بمزيد من الخير، وثراء المرحلة.
عندما نقرأ التصريحات من المسؤولين على هذه القلعة الناهضة، نتحدى أنفسنا ونشرع بالكتابة ونحن مسلحون بالتفاؤل، وبجرأة سابقات الأيام التي كان فيها الأرشيف دائماً في قلب المشهد، ودائماً يقف عند مقدمة المركب يوجه ويسير القوافل نحو غايات وأهداف هي التي جعلته اليوم يتبوأ مكانته العليا، ويختصر الزمن في حركة تعبئ الأفئدة بمزيد من الأنشطة والفعاليات، وتملأ الدلو بعذب النبوع، وشهد الجداول.
هكذا يبدو مشهد الأيام وكأنه البارق الطارق، الشاهق الباسق السامق، يحمل في الطيات والثنايا كل ما يكحل العيون بأثمد الأحلام البهية، ويجسد حالة إماراتية استثنائية في زمن يعز على الغير تحقيق مثل هذا المنجز التاريخي العملاق.
الأرشيف اليوم أصبح جزءاً من الإنسان، يعيش في الوسط الاجتماعي، ويتناول من نفس المائدة الثقافية التي، يجلس عليها الإنسان في كل أرجاء الإمارات، وتضاريسها المعشوشبة بحب كل ما هو تاريخي وكل ما هو على علاقة وطيدة مع الإبداع البشري، كون الإبداع هو النسق الذي من خلاله تتماسك جذوع الشجر، وتنمو مستندة على إرث لا يلين ولا يستكين.
هذه هي سمة الأرشيف والمكتبة الوطنية، وهذه هي ثيمة الرواية من بدايتها حتى نهايتها، ونحن الذين نقرأ، ونستقطب ما في الأقاصي كي نغذي شيئاً ما في الكيان ألا وهو العقل.