بعد أن انتهيت من قراءة رواية «تنين الجليد» للأميركي جورج مارتن، وهي رواية من أدب الخيال وموجهة للصغار، رواية بسيطة تناسب عقليتهم وخيالاتهم، خاصة حول ما يحيط بهم من متغيرات بيئية وما تصنعه الطبيعة في المتحول الدائم والمؤثر في المناخ والطقس وحياة الناس، وتأثرها وتفاعلها مع هذا المقتحم لحياتهم في فصول السنة وخاصة في بعض البلاد التي يظهر فيها واضحاً التغير والتبدل بين فصل وآخر وبصورة كبيرة مثلًا بين الشتاء والصيف، رواية تتحدث عن طفلة تعشق تنين الثلج، وتصور البرودة القاسية والثلج الذي يهاجم الناس ويشل حركتهم والحياة، في هذه الفترة القاسية يأتي تنين يحب فصل الشتاء فيحضر المتغيرات والتحولات في إيقاع الحياة معه، وبما أن الطفلة (آدارا) تحب فترة الشتاء لأنه يصادف الاحتفال بعيد ميلادها، حيث ربطت موضوع الهدايا والفرحة بتاريخ حضور الشتاء والثلج والبرد الشديد، لذلك تتصور أن جالب الثلج والبرد الشديد تنين يأتي ليزرع الفرح ويسعد هذه الطفلة في عيد ميلادها.
من هذه الرواية والفكرة يوسع الكاتب فكرته بحيث يصنع أيضاً أكثر من تنين، فإذا كان تنين الثلج يجلب الشتاء والسلام والحب والفرح للطفلة، فإن هناك تنانين تجلب الشر والحريق واللهيب، بل إنها تصارع تنين الثلج وصاحبته الطفلة وأسرتها ووالدها وتدمر مزارعه وتحرق النباتات والأشجار بلهيبها، تصورات وخيالات كثيرة يصنعها الكاتب، تداهم الطفلة في المنام وتظن أنها صراعات حقيقية بين حياتها والحرب بين هذا التنين الثلجي وعدد من التنانين الشريرة.
كل الحكاية رواية من أدب الخيال العلمي ولكنها في غاية الإثارة. والعمل ممتاز يناسب الصغار.
خاصة أن الأطفال يعجبهم ويتناسب معهم الخيال المحلق والحكايات المثيرة التي تتحدث عن المجهول لديهم في الطبيعة والحياة اليومية، وكذلك تبدل الفصول وتغير المناخات والظروف وحياة الإنسان التي تتفاعل مع هذا المتغير في البيت والحياة العامة والخاصة.
وكلنا نتذكر أهمية حكايات الجدات والقصص واشتغال المظاهر الطبيعية في صنع حكايات خيالية منها المفرح وكذلك المخيف أو المحزن، والتي تنعت عندنا في الإمارات بـ(الخروفة) أي قصة وحكاية استغلت فيها مظاهر الطبيعة أو روايات خيالية من صنع الجدة أو تعديل وتزيين بعض الأحداث وجعلها حكاية تناسب الأطفال مثلاً.
كلنا يتذكر حكاية الشجرة التي تظهر في جوف القمر عندما تكتمل استدارته عند منتصف الشهر وعندما يسأل الطفل عن تلك الشجرة يكون الجواب جاهزاً، إنها سدرة المنتهى وهي شجرة في الجنة كلنا ونحن صغار نصدق تلك الحكاية ويزداد التصور والخيال، متى سوف نجلس تحت ظلها.
نصل إلى أن أدب الخيال العلمي وتوظيفه في أعمال قصصية أو روائية يحتاج إلى كاتب لديه دراية بعلم نفس الطفل ولدية المقدرة على أن يصنع عملا أدبياً يتناسب مع قدرات الصغار العقلية والذهنية، فليس من السهل الكتابة للطفل وصياغة عمل ناجح، إذا لم يكن الكاتب ذا دراية ومعرفة بقدرات الصغار، ونصل في النهاية إلى أن رواية «تنين الجليد» من الأعمال الناجحة والمثيرة لخيال الصغار.