من الأشياء التي ابتليت بها مجتمعاتنا في طورها الحديث شخصيات المزايدين، تجدهم يترصدون كعاطلين عن العمل، ويبحثون عن قضية يمكنهم أن يمتطوها، لذا تجدهم يعترضون حديث أي شخص ليرفعوا من قيمة ذاتهم عن طريق المزايدة عليه، وعلى حديثه، هم لا يهمهم الحديث ولا الحوارية بشأنه بقدر ما يهمهم أن يطلوا بأنوفهم ورقابهم ليقولوا للناس ها نحن هنا، وإن لم تنفع تلك الطريقة الساذجة التي يميزها البصير والحكيم، حاولوا أن يتكئوا على أكتاف المتحدث ليطمسوه أرضاً، ويرتقوا على جثته، وقد أتاحت الوسائل الإعلامية الرقمية لهم سبل الوصول والظهور، ولأن المزايدين يعرفون من أين تؤكل الكتف، تجدهم يحشرون أنفسهم في دروب ضيقة ومسالك لينة، خاصة حين الحديث عن الإمارات، وعن مجتمع الإمارات، وعن المرأة أو حين الحديث عن شيء فيه اسم الدين أو صفة الإسلامي، ولو كان الحديث عن مصرف إسلامي، وتأخر الخدمات المصرفية الرقمية المتطورة فيه، سيحولون حديثك الاقتصادي إلى حديث عن الدين، وسيظلون يزايدون عليك وعلى وطنيتك، وعقيدتك حتى ستتهم بأنك نعتَّ الدين بالرجعية، وهنا سيكثر المزايدون الجدد دون أن يقرأوا ما قلت آنفاً، وسيلتقطون طرف الخيط من نهايته ليجروك إلى مستنقع مزايداتهم التي لن تنتهي.
لا تستطيع أن تنتقد المجتمع الاستهلاكي الذي نحن فيه، ومحاولة التخلص من نمطية الصورة التي خلقها الآخرون لنا، وعمموها، حتى يظهر واحد مزايد، لا له في العير ولا النفير، محاولاً أن يلتقط الميكروفون من يدك أو يسحب البساط من تحت قدمك ليذكرك أن مجتمعنا مجتمع مسلم محافظ على العادات والتقاليد، وله جذور عميقة في التاريخ، ومهما حاول الغربيون أن يغيروا من هويته، سيظل مجتمعاً إسلامياً متماسكاً، فلا تستطيع أن تنفي عن مجتمعك الأصالة، وجزءاً من هويته الإسلامية، لكنه لم يكن في الأساس هو هذا الموضوع!
حاول أن تنتقد تصرفات بعض الشباب الذين يسيئون بأفعالهم الهوجاء في الخارج لوطنهم، وسمعة أهلهم، ويسيئون الأدب بما يقترفونه من أفعال غير حضارية تجاه الآخرين، حتى تظهر لك مجموعة من المزايدين، وكلهم يوسمون كلامهم بعلم الإمارات، ويقولون لك: «نحن أولاد فلان، ونحن بنات فلان»، مثل هذه الجملة أيها المزايدون، محامو الشر، لا تصلح إلا للمعالي، وما يُبَيّض الوجه، ولا تستخدم إلا للأعمال الإيجابية، لا السلبية، وما يرفع الرأس، ولا يجب أن تكون على طرف كل لسان.
المهم لا تحاول أن تُبحر، ويكون في سفينتك ثلة من المزايدين، لأنهم سيطبّعون السفينة، ويغرقونك، لأنك خالفت حكمة أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن!