في الثمانينيات، كنت في زيارة عمل إلى اليمن، والتقيت بالشاعر الكبير عبد العزيز المقالح حيث أشار، وبلوعة العاشق لبلده، قائلاً، إذا لم يهرع العالم لإنقاذ اليمن، فإنه سوف ينقرض، لأن المخالب العدائية، والعصاب القهري سوف يفتك بوحدة بلدنا.
اليوم شعت تلك الصرخة في رأسي، واجتاحتني القشعريرة وأنا أستدعي كلام الشاعر الكبير، وأحسست أن ما قاله يتحقق اليوم على الأرض، حيث الشوفينية تتفشى في عقول شريحة من أبنائها، وحيث الهلع يتمادى في قلوب بعضهم، وحيث الشهية مفتوحة على آخرها لاغتصاب السلطة، والسيطرة على مفاصل اليمن تحت ذرائع واهية، وحجج باهتة، وأساليب مخادعة كأنها السراب.
الحوثي اليوم يتشدق بمبادئ ربما لا تقل عن أنها مجرد تخرصات كائنات بشرية، فقدت الصواب، وانتعلت الأرض البطحاء حذاءً لتقضي على الضرع والزرع، لينتهي اليمن إلى بلد فاشل، مترامٍ في جوعه وعيشه، ليس لأن اليمن فقير الموارد، بل هو بلد ثري بمدخرات أرضه، وشعبه الفرد الأبي، فالأمر يتعلق بزمرة من الناس حلمت أنها الوحيدة المنسوب إليها كل اليمن وأنها الفريدة في زمانها التي لها أحقية الاستيلاء على اليمن، وهويته، وموارده، وثرواته وحرية شعبه، وهذا ما حدث، والطوفان مستمر في قلع الأشجار، وتهشيم الأفكار، وكسر عظمة الترقوة لهوية بلد عروبتها ضاربة الجذور، وثقافتها في الأطناب، والأسباب رسمت على مدى الدهر، صورة اليمن السعيد، ومن دون منازع.
اليوم عندما تقرأ الحدث الجلل، ونمارس حقنا في استقبال الخبر الأليم، بألم أناس أحببنا اليمن كما أحببنا إنسانيته على مدى التاريخ، نرى ما يراه الحالم بمشهد مفزع، ومنظر مقذع، وحياة اليمني التي صادرها الحوثي، وسورها بمجموعة من الشعارات الصفراء، البائسة، وربط مصيرها بلاءات لا تنفع إلا كحطب المواقد في بيداء شاحبة.
اليوم اليمن وهو في قبضة أناس فضلوا العبثية على الالتزام الأخلاقي، والوطني، أصبح محلاً للأسف، وصار مأزقه يؤرق الشرفاء، والذين يراهنون على التضحيات، كسبيل لتحرير اليمن من المتربصين، ومن المفرطين بسيادته على حساب تخرصات، وتأويلات، وتفسيرات، لا شأن لها إلا هدم أحلام اليمنيين، واقتيادهم أسرى لتلك الأهواء، والأرزاء، والرغبات الآنية، والشخصية.
اليوم يقف الشرفاء في هذا العالم، كتفاً بكتف مع أبناء اليمن الأحرار، دعماً، وتعزيزاً لقدراتهم من أجل الحرية، ولن يبقى الظلم مهما طالت أيامه، فلا بد من شروق، ولا بد من بزوغ القمر.