الامتداد الطويل من أطراف أبوظبي وحتى الحدود البعيدة من المملكة العربية السعودية، السراب اللامع، مثل غدير يسري مسافات بعيدة وكأنه بحر آخر يوازي امتداد بحر الخليج العربي، عند اشتداد الحرارة ولهيب النار وتوقف نسمة الهواء يظهر ذلك السراب الطويل.
وعلى أطراف هذه الأرض الجرداء تنبت بعض الكهوف ويتسلل الرمل ليعانق أطراف السبخة المخيفة قديماً والتي لا تقطعها غير الجِمال وقوافلها التي تصبر على الضيم والعطش والتعب، الكهوف التي تظهر هنا وهناك لها من يسكنها من ضواري الصحراء، ثعالب كثيرة وذئاب كثيرة، هي سيدة الليل إذا ضوّأ والفجر والصباح إذا عسعس، لا نبات ولا ظل هنا، لا شيء غير ملح الأرض والبحر إذا سجى وتنفس في مواسم الشتاء، ثم عاد سريعاً إلى الخليج العربي والخيران ليترك ما تبقى من بحر للهيب الشمس واحتراقات القيظ ورياح السهيلي إذا هب وجاء ناراً حارقة وحمل معه شيئاً من رمال الربع الخالي الذي لا يسكن بعيداً عن ليوا وما جاورها من أراضي الظفرة الداخلية، السباخ وحياتها الممتدة هي مساحات شاسعة يقطعها ناس تلك المناطق الداخلية، حيث يعبرون سريعاً باتجاه البحر أو قلب الصحراء ومنطقة ليوا الزاخرة قديماً بإرث من رحلوا من أهلنا هناك ونخيلهم الباسقات والمحاطة بكثبان الرمل والمجاورة تماماً والمعانقة للربع الخالي، حيث ترك التاريخ القديم حكايته العربية هناك، ثم تغير الزمن وجرى مسرعاً نحو حياة مختلفة ولم نحفظ من سيرته غير سيف وترس ورمح أثري، جاء في الحكايات القديمة، وظهر في سيرة ذلك العبسي/ عنترة وحروبه وغزواته القديمة، وبعض التخاريف عن الجن وبحر الرمل من حكاية الربع الخالي.
إن قطعت هذه السبخة الطويلة المخيفة «سبخة مطي»، ثم عبرت الكثير من الرمال وأراضي المملكة العربية السعودية، فإن مكة والمدينة سوف تصبحان قريبتين منك وسوف يحملك شوقك وحبك لتلك الديار وأمنية العمر واليقين الخاص بك، إنها نهاية الرحلة أو نهاية رحلة العمر والحياة هناك، هكذا كان يحلم القدامى من بلاد الهند والسند، يأتون فراداً أو أعداداً زوجية بعد أن يعبروا الخليج العربي ويصلوا إلى أرض الإمارات ودبي وأبوظبي على وجه الخصوص، أطلق عليهم القدامى من أهلنا كلمة «سايل» ولعلها تعني عابراً إلى الأراضي المقدسة على الأقدام، بعد استراحة قد تطول أو تقصر بعضهم ينتظر فترة الشتاء لعبور سبخة مطي وبعضهم يدركه الوقت وتأتي فترة الصيف أو الخريف أو القيظ وما زال يقطع هذا الطريق الطويل والكثير لا يعلم صعوبة سبخة مطي ولا لهيبها وخصوصيتها، حيث لا ظل ولا ماء وليلها ذئاب وثعالب وضباع، كثر الذين انتهى حلمهم في سبخة مطي إما عطشاً أو نهشتهم الذئاب.
وأكثر أولئك «السيال»، طلاب الوصول إلى بيت الله مكة والمدينة من الأفغان والديار المجاورة لها أو الهنود المسلمون والباكستانيون، ومع هذه الصعوبة هنا من يعبر ويصل إلى غايته ويسعد بنهاية رحلته، ولكن لا يمكن أن تغيب من ذهنه صعوبة عبور سبخة مطي.
هذه الأرض والسبخة الصعبة القديمة الآن شيئٌ آخر، طريق جميل ومساحات كثيرة من العمران والبناء، عالم جديد صنعته الأيادي البيضاء، وهذه الحكاية تتناسل كل يوم على كف من أحب الأرض وأهلها، في سبخة مطي لم يبق شيء من سباخ، وإنما غابات أشجار على امتداد الطريق الطويل.