الوصية هي ما يعهد به إلى الغير، سواء كانت هذه العهدة مادية أو معنوية، وعادة ما تكون ذات مكانة وقيمة لدى مُقدمها، وكذلك عادة ما تقدم لمن هو من وجهة نظر المعطي شخص مستحق لها، ولذا يتوقع من الآخر أن يتقبلها بقدر من الاحترام والتقدير. مؤخراً وجدتني أفكر كثيراً في شكل الوصايا التي تأتينا، وخصوصاً من كبار السن المحيطين بنا، وهو معنى لم أفكر فيه مسبقاً، أو بالأصح لم أعشه حقاً، كوننا في عمر معين نبدأ في التعامل مع من هم وصلوا إلى مراحل متقدمة في أعمارهم، ويعتقدون أن لديهم ما يستحق أن يُورث للآخرين.
في أفضل الأحوال، يصر الكبار على نقل خبراتهم وخلاصة حياتهم لأبنائهم وأحفادهم، يخبرونهم بعصارة حياتهم، بهدف نقل العبر التي اكتسبوها، على أمل أن يكون لأبنائهم نصيب أفضل من الحياة. ولكن هل حقاً ينقل أولئك الكبار قصصهم بأمانة؟، استفقت على السؤال عندما أنهى صديق لي اكتشف بعد وفاة والده أن له شقيقة تكبره تعيش في بلد أجنبي احتفظت بجنسيتها ولكنها لم تتعاط مع ثقافة والدها ولا دينه، المثير أن الوالد كان يتباهى باستمرار بأنه أحسن النسب فاختار له أماً ذات أصل وفصل وأن عليه أن يفعل لأبنائه مثله، وهو ما وجده -صديقي- تعنتاً وتحكماً في اختيار مستقبلهم، ولهذا واجه صعوبة في زواجه الذي كان محط اعتراض عائلته كونه زواجاً غير متكافئ!، لم أُذكر صديقي بما واجهه في زواجه، ولكني تساءلت بيني وبين نفسي، لو كان والده قد أخبره بهذه الحقيقة التي ندم عليها كثيراً، هل كانت النصيحة ستذهب سدى؟.
في ثقافتنا، يخبرنا الآباء عن انتصاراتهم وقراراتهم الصائبة والنجاحات التي حققوها، لا نسمع شيئاً عن إخفاقاتهم ولحظات الندم والألم التي عاشوها، لا يخبر الآباء شيئاً عن عنادهم ونصائح الآخرين التي استخفوا بها رغم إثبات الزمن أنها كانت في محلها.. في موروثنا الاجتماعي يعكف الناس عن الحكي بصراحة عن المعوقات التي واجهوها قبل أن يصيروا على ما صاروا عليه، ولهذا -وللأسف- تتدنى قدرتهم في التأثير على الآخرين!.
الوصايا كالعهود، يجب أن تكون صادقة وحقيقية، يجب أن تُخبر عبرها السقطات والزلات والمحن التي تحولت لدروس تمنح الحياة لأصحابها، يجب أن تحكي تلك الوصايا بتفاصيل الظروف الاستثنائية التي عاشوا فيها وتعاطوا معها لأنها هي التي شكلتهم ومنحتهم استحقاق اللحظة التي يعيشونها الآن، وجعلت منهم في مكانة نسمع منها ونتأثر بها.