طلع نجم سهيل، ولكن لم يرق الليل، لا زال الانتظار بأن يلمع النجم في قلب السماء، لن نهتم كثيراً في حاضر لا يعترف بالكثير من أمثالنا وحكاياتنا القديمة، كان لدوران النجوم شأن كبير وانتظار كبير، ولكنها حياة اليوم وواقع الحال غيّر كل مفاهيمنا وعاداتنا، بالكاد نقبض على ما مر سريعاً وما فات قديماً، ولكن في نهاية الأمر مقتنعون أن كل الحكايات والأمثال والتجارب القديمة، هي رأس المال الذي نحتفظ به في الذاكرة، لم يكن قولاً في الهواء، ولم تكن ثرثرات على الرمال، أو على سطح البحر، إنها حقيقة ممن خبر الحياة ومارسها عملاً وكداً وتعباً، ثم واقع تركه لنا من رحلوا، هذه النخيل وهذه الأفلاج، وهذه الشواطئ والجزر تؤكد أن حركة النجوم وحسابات الدرور واقع وحقيقة، لا يهم إن تغير الحال وكثرت المعارف وتنوعت وسائل القياس وزاد العلم والمعرفة من فهم كينونة الحياة والواقع، وسهلت الصناعات والتطور الإلكتروني والأدوات الحديثة الوصول إلى ما نرغب بأسرع وأسهل الطرق، لا تجارب خضناها مع الطبيعة ولا جهد من بعده جاءت الحقائق، هناك عالم يخترع ويطور ونحن المستفيدون مما يصنعه الآخر.
ولكن كان إنسان هذه الصحاري والسواحل، هو الذي عجن الحياة وعجنته ثم أخذ ثمار تجاربه الطويلة وخبراته الكثيرة، نعم نصدق ذلك الرجل الصحراوي والبحري الذي يعرف مسارات النجوم وطرق العواصف والرياح، كان المعلم والعالم في زمن يحتاج فيها كل من ضمته وحوته هذه الديار والجزيرة العربية ليعرف مفرداتها ومسمياتها وحكمتها وأمثالها، وعندما يقول لنا ذلك القديم عبر مثله المعروف عند كل من عاش على رمال هذه الجزيرة العربية، «لقد ظهر سهيل ورق الليل»، نقول له نعم بكل تأكيد، ولكن واقع الحياة اليوم لا يترك لنا أن ننتظر هذا التحول والتغير الكبير في المناخ والطبيعة، نحن في حياة مختلفة تحيط بنا الأدوات والوسائل الحديثة حتى نكاد ننبت من حياة أسلافنا، نحن في واقع لا يشبه ماضي الآباء والأجداد من حيث العمارة والعمران والأسواق ووسائل النقل وطرق التنقل سواء في البر أو البحر، ولكن عهداً علينا أن نظل محافظين على موروثاتنا الاجتماعية والتراثية والثقافية وأن نعلِّمها للأجيال وعليهم أمانة رعايتها.
كلمات جميلة في قاموس الحياة الشعبية القديمة وكلها ذات صلة بالطبيعة والمناخ ومنها تعبير «الصغرى والمربعانية ونجم سهيل وسهيل في الماء، نجم الثرياء وبرد البطين وريح الشمال وأم عبيد» وأسماء كثيرة للرياح ومدلولاتها، إرث كبير من تاريخ المناخ في الإمارات بعضه لا زال له تأثير قوي في الحياة اليومية وبعضها كان مهماً في الحياة اليومية والاجتماعية والعمل والإنتاج قد يكون غاب بحكم تغير الحياة ووسائل العيش والكد، خاصة في الحياة البحرية أو الصحراوية، حيث اختفت الكثير من المهن، ولكن ظلَّت الأمثال والتجارب محفوظة عند البعض أو في دفات الكتب والأبحاث التي سطرها البعض عن الحياة الاجتماعية والثقافية والتراثية في الإمارات.
بعد شهر من الآن، وفي أكتوبر تحديداً، وعندما ينتصف الشهر سنقول بقوة، رق الليل وطاب السهر والسمر على الرمال الذهبية في الإمارات، وسوف يصبح البحر والجبال والسهول مكاناً رائعاً وجميلاً، سوف تغرد الطيور وتتفتح زهور الصحاري والوديان والجبال والسهول، الإمارات تزدان عندما يرق الليل وتبتسم الحياة في أرض الجمال هنا.