وقفت بعض السنين بيني وبينه، فهو أقرب سناً لأخي الكبير، وكذلك فعلت الجغرافيا؛ إذ أبعدته ليعش في إمارة الشارقة، بينما كنت أعيش في الشندغة. مضت أيام، الله أعلم بعددها، ثم التقيته في عام 2008، كنت أقدم محاضرة ضمن مؤتمر لمنظمة «اليونسكو» في الجامعة الأميركية في الشارقة، وبعد أن رُفِعت الجلسة وجدت الأستاذ علي درويش أمامي يعرفني بنفسه ويقول لي: «دكتورة عائشة، لدينا في المركز الوطني للوثائق والبحوث مجلة (ليوا)، ويمكنك مراسلتنا لنشر بحوثك، إن كانت ذلك من تطلعاتك»، فقلت له: «هذا شرفٌ عظيم». كانت هذه البداية، ثم التقيته بعد ذلك بأشهر عدة في معرض الشارقة الدولي للكتاب، وكان منغمساً في الحوار مع الكُتاب والناشرين وفي يده كتاب، ويقلب بيده الأخرى ما يسرق نظراته المتلهفة على كل ما هو نادر قديماً أو جديداً. ما إن رآني حتى لوح بيده قائلاً: «مرحباً دكتورة عائشة، شحالك حصلت لك كم كتب بيعجبونك عند الناشر الفلاني»، فقلت في خاطري: «هذا الريال قابلته مرة وحد ويتذكرني بهذه التفاصيل».
بعد عام من ذلك اللقاء، أصبحنا زملاء عمل ومضينا سوياً في مشاوير الحياة ومشاريع ولجان العمل العلمية والتاريخية والتراثية. أخي وزميلي وصديقي ومعلمي المستشار علي درويش قرب مسافات وسنين العمر، فقد نشأنا في فريج القيم والمبادئ والأخلاق الحميدة الذي نشأ به، وتشربنا من أهلنا قيمة الإنسان وما هي كرامة الإنسان. عبر سنوات العمل كان الأستاذ علي يأتي دائماً لزيارتي وبيده كتاب، أو حلوى أو شاي، فهو ينمي عقلي بالكتاب ويحضر لي ما أحب من حلوى عُمان والبحرين عندما يسافر لهما، والشاي من تخصصه، فذائقته للشاي لا يختلف عليها اثنان.
للعارفين أقول، عندما رحل أخي من هذا العالم قلت في خاطري ما كنت أقوله له دوماً: «ليت الرجال مثلك يا بونواف»، فجوة في داخلي لا يسدها سوى قوة الصبر والاحتساب والدعاء. رحل حاملاً معه إرثاً لا يستهان به من ذاكرة الإمارات ولا سيما جمال أخلاقه التي ليس لوجودها مثيل. رحل جميلاً لطيفاً كريماً حكيماً.. العزاء لنا جميعاً، وعلينا أن ندرك أن نعيش بجمال ما زرعه فينا والدينا، وأن نتذكر دائماً: النَفسُ روح والروح نَفَسْ.