ذات مرة بث مدون مصري مقطعاً مصوراً ساخراً بين متحدث تقمّص شخصية مستقبل طلبات في مطعم ومتصل، يحدد له وجبته المفضلة وضرورة أن تكون صحية لأنه يعاني من ارتفاع الكوليسترول، وأن عليه تجديد جواز سفره لقرب انتهائه، ذاكراً بعض البيانات الشخصية الخاصة بالمتصل الذي استغرب كيف عرف مطعم كهذا بها، وإذا بالمتحدث يبلغه بأن كل الجهات التي تعامل معها أصبحت متصلة ببعضها عبر تبادل البيانات. ربما كان الأمر من باب الكوميديا ولكنه يحمل شيئاً من الحقيقة بعد وقائع تبادل البيانات.
 قبل ذلك بسنوات خصص الإعلامي السعودي المعروف أحمد الشقيري حلقة من برنامجه الرمضاني الشهير «خواطر» عن كيفية معرفة تفاصيل دقيقة وشخصية عن الآخرين بمتابعة حساباتهم في «فيسبوك» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي.
بين الفينة والأخرى تبرز قضايا ومعارك قانونية في ساحات القضاء حول احترام الخصوصية وصون البيانات والمعلومات الشخصية بين تلك الوسائل وأفراد ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحماية الخصوصية.
 وقد كانت أحدث تلك المعارك المواجهة التي جرت الأسبوع الماضي في فيينا بين ماكس شريمس الناشط في حماية البيانات ومنظمته المعروفة بـ «إن أو واي بي» اختصاراً لعبارة «الأمر لا يعنيك» باللغة الانجليزية من جهة وشبكة «فيسبوك» من جهة أخرى والتي أدانها القضاء النمساوي لعدم إعلام مستخدميها عن جمعها لبياناتهم الشخصية دون علمهم.
قضت المحكمة النمساوية بتغريم «فيسبوك» 500 يورو لصالح المدعي مع توجيه سؤال للمرة الأولى إلى محكمة العدل الخاصة بالاتحاد الأوروبي بشأن احترام «فيسبوك» الإطار القانوني الأوروبي المتعلق باستخدام بيانات الزبائن.
 شريمس الذي يترأس فريقاً من القانونيين ومنظمته رفعوا سلسلة من القضايا لإلزام الشبكات الرقمية باحترام خصوصية المستخدمين منذ تأسيس المنظمة عام 2018، اعتبر الحكم منصفاً وجولة في مواجهة طويلة مع عمالقة الشبكات الإلكترونية مثل جوجل وأمازون وفيسبوك وآبل.
نتذكر مثول رؤساء الشركات العملاقة الأربع الصيف الماضي أمام لجنة مكافحة الاحتكار التابعة للكونجرس الأميركي في جلسة استماع تحقيق أجراه المشرعون وخلص إلى أن أكبر كيانات تكنولوجية في العالم «مارست قوتها بطرق مدمرة ومضرة»، ولم تخاطر فقط بالمنافسة ولكن بمستقبل الديمقراطية نفسها، في مواجهة كبيرة تكشف مخاوف ومخاطر جمع وحيازة البيانات والتأثير القوي على توجهات الأفراد والمجموعات خاصة في محطات مفصلية مهمة كالانتخابات في أميركا أو على مستوى اختيار سلعة أو وجبة في مطعم معين!.