شعرت بما يشبه الإشباع، وأنا أنتهي من مشاهدة مباراة إسبانيا وكرواتيا في دور الستة عشر لبطولة أوروبا للأمم، والتي امتدت للشوطين الإضافيين، وانتهت بتأهل شبه قيصري للماتادور، فقد كنت أحتاج لبعض الوقت لأهضم الوجبة الكروية الدسمة، ولأُعيد ترتيب المشاهد الدرامية، ولأرتب في ذهني الصور الفنية التي صدرها ذلك الفيض الإبداعي، إلا أن شيئاً ما أغراني بمشاهدة المباراة التي تلتها والتي وضعت منتخب فرنسا بطل العالم ووصيف بطل آخر نسخة لليورو، في مواجهة منتخب سويسرا الذي جاء كعادته إلى هذه البطولة محمولاً على بساط الحلم، ليس الحلم بالتتويج، ولكن الحلم بكتابة التاريخ، والتاريخ هو الفوز على فرنسا..
بالطبع لم تجذبني إليها مقاربة النوع والتاريخ التي اعتمدها الإعلام الفرنسي، ولا استعراض الفوارق التي يستحيل معها كل قياس، في تقديم نزال كان من المفترض أن يحسمه الديكة بلا كثير من الصياح والضجيج، فقد استنفرني الترنح الذي كان عليه المنتخب الفرنسي في مبارياته الثلاث الأولى عن دور المجموعات، وبخاصة في مباراته أمام المجريين، أحفاد بوسكاش ببودابيست، وتنبأت بأن لا يكون طريق فرنسا لربع النهائي، لملاقاة «الماتادور» سالكاً ولا آمناً..
والحقيقة أن المنتخب الفرنسي ضل الطريق من البداية، ودخل متاهات فنية وتكتيكية لا عد ولا حصر لها، وكان في تيهه وانكساره كالبراقش التي جنت على نفسها، وإن كنت لا أجرد المنتخب السويسري من ذرة واحدة من أحقيته بالتأهل لدور الثمانية، لجودة تدبيره للمباراة ولشجاعته وجرأته في التنقل عبر فصولها، وفي الكشف عن عورات كثيرة توجد في بطل العالم، دليل على أن التتويج بلقب عالمي لا يعني إطلاقاً أنك بلغت درجة متقدمة في الكمال الكروي.
الإقصاء الذي صوره الفرنسيون على أنه زلزال مدمّر ووصمة عار، وما إلى ذلك من التوصيفات القدحية لفعل الانكسار المشين، ما هو إلا محصلة طبيعية لأخطاء كثيرة ارتكبها المدرب ديدييه ديشامب في تدبير مرحلة ما بعد النجاح الكبير بالفوز بكأس العالم في روسيا، فلا شخصية بطل العالم، ولا الحضور النوعي داخل المنتخب الفرنسي لنجوم كبار، كانا يسمحان بأن يغادر الزرق هذا اليورو من الدور ثمن النهائي..
ليس القصد عند تحميل ديشامب مسؤولية هذا الإخفاق المؤلم للفرنسيين، أن أجرّده من كل النجاحات التي حققها بمعية منتخب فرنسا منذ أن جاءه مشرفاً على عارضته الفنية، ولا حتى أن أصدر بحقه حكماً قيمة، ولكن الزلزال الذي حدث ببودابيست، كان من هزاته الاستباقية أن فكر ديشامب التكتيكي الذي كان ذات وقت صافياً ومتناغماً وسلساً، تشوش إلى الحد الذي صدر جملاً مبتورة وأخرى غير مقروءة، انتهت بفعل تابع لمفعوله في الهشاشة والإقصاء. 
ودقت ساعة سويسرا إيذاناً بنهاية السهرة المجنونة.