يردد بعضهم بتأفف حر، وقد يذهب بعيداً بأن يصف النهار بجهنم أو يزيد على ذلك بنعوت أخرى، خاصة من الأجيال الجديدة التي تنام على أصوات مكيفات الهواء وتصحو عليها وتتذمر من لحظات صغيرة تخطوها بين المنزل والسيارة المكيفة أيضاً، أو الأسواق التي تحولت إلى محطات باردة ليل نهار صيفاً وشتاءً، مكان لا تعرف فيه ما يحدث خارجه من تغيرات الطقس، سواء عصفت درجات الحرارة بكل شيء وحولته إلى نار حامية أو هبت رياح باردة جداً أو عاصفة، أنت بداخل هذه الأسواق مضبوطة درجة حرارتك وحرارة كل شيء.
هذه الأجيال التي تربت على هذه الأجواء الجديدة في الإمارات، لم يعد أيضاً يعنيها أن تذكر كلمة قيظ، لم يعد يهمها ما يصاحب هذه الفترة من عطايا البيئة وخيراتها الزراعية وإنتاجها الذي كان بهجة الناس قديماً.
تقول له: إن القيظ يعني عطايا النخيل من ثمار الرطب الجميل، والذي يطرحه نخيل الإمارات، والذي يوفر مناخاً مفرحاً عند الأهالي والناس جميعاً، يرد هذا الجيل بعدم الاهتمام بالرطب ولا حتى بثمار «الهمبا» المحلي الجميل ولا بالحمضيات التي تصاحب هذه الفترة، لا يعنيه أمرٌ تراه مفرحاً وجميلاً، وتجد أن فترته وموسمه أروع المواسم، لا يلتفت أو يبتهج كما تفعل الأجيال القديمة، هو يعشق الحلويات والشوكولاتة والكوفي لا تيه، لم يحضر أزمنة القيظ الشديد، والحر العنيد، ورياح السموم، والسهلي لدرجة أنهم لا يعرفون الرياح، ولا يعرفون النخيل، ولا أنواع الرطب، ولا الفرق بين المواسم، وثمار النخيل وأسمائها.
يأتي الحر الشديد وتظل ثقافة التعامل مع واقع الحال ومفهوم هذه الفترة وجمال التعايش معها عند الكبار وحدهم، حيث يرددون لا بأس بالقيظ وحرارته الشديدة، فهو عنوان نضج الرطب، وحلاوة تذوق ثمار المانجو «الهمبا»، وروعة تناول البطيخ «الجح»، إنها فترة تزدان وتحلو بالعطايا الخيرة والثمار الجميلة والتي لا يمكن أن تتوافر إلا في هذه الفترة/ القيظ، وبما أن النخيل يزدان بالثمار بمختلف الألوان والأشكال والطعم، فإن له أيضاً دورة طبيعية للحياة في الإمارات والجزيرة العربية، فترة مميزة بوفرة الثمار وازدهار النخيل بظلاله، وبديع بساتينه، وروعة تدفق المياه والأفلاج في مناطق الواحات ذات التاريخ البعيد في البساتين، حيث ذاكرة أبناء الإمارات مع أهمية فترة القيظ قديماً وحديثاً، لم يعد الحر مزعجاً وصعباً كما عاشه الآباء والأجداد، فقد تحولت الإمارات إلى مساحة واسعة من المشاريع العمرانية وتغيرت الحياة اليومية في المحطات والأسواق، وفي كل مكان وراعت تلك المنجزات كل الظروف والمناخات وعملت على كسر حدتها بالأسواق الجديدة والمساكن الجديدة وحتى الاستراحات والحدائق، أينما اتجهت تجد أن المناخات مناسبة وجميلة والتعامل مع الظروف البيئية رائع، ولم يعد شيء يعيق ويمنع من ممارسة الحياة اليومية والنشاط اليومي مهما كان الطقس متغيراً، هذا لم يكن موجوداً ومتوافراً في الأزمنة القديمة، لقد كافح الإنسان هنا وكيَّف نفسه ووضعه وحياته مع محيطه برحابة صدر وحب لأرضه وبيئته وناسه وتعايش مع كل فصل حسب وقته وزمنه، الآن بعض الأجيال الجديدة تصرخ: حر، رطوبة، تعب، كسل، أجيال غيرها واقع الحال ولم تعد تشبه ماضي أسلافها، صحيح أنها ليست كبيرة ومؤثرة ولكنها موجودة.