لهذا الشهر ملامح ربما هي تنتمي إلى تاريخ قضاه الفرد تحت جنح طقوس لها سمات السلام، والأمن النفسي، لذلك عندما يهل هذا الشهر تبرز تلك المشاعر المختبئة في معطف القلب، فتنشر أجنحتها المبلولة بمطر الشهور السابقة، ثم تعلقها على مشجب التأملات الرمضانية، وما يتبعها من فوحات، وأنفاس حرى نهارية، ثم تبدو النفس كأنها السمكة على الشاطئ في انتظار الموجة المسائية كي تلتقطها، ثم تقذف بها في جوف الماء، حيث تستعيد الحياة نشاطها، ويمارس الجسد دورته الطبيعية في احتساء الرشفات من شفاة الفناجين الخزفية، أو الأكواب الزجاجية، ليبدأ بريق العيون يأخذ مجراه الطبيعي، وتصير الوجنات مثل مرايا تلمع بدهون اللحم الضاني، وأسماك الهامور المقدد.
بعد الإفطار تختلف اللقاءات، كما تتلاشى غضون الجباه قبل الإفطار، وتصبح الوجوه مثل فراشات نشوى، والابتسامات، تتطاير مثل نوارس مكتحلة برشات الموج الأبيض.
النساء والرجال والأطفال، الجميع يجتمع على مائدة واحدة ما عدا الاستثناءات من الأبناء الذين يفضلون الأكلات السريعة، فيتخذون جانباً عند شاشات التلفزيون في الغرف المغلقة، ويقضون أوقاتهم في العزلة الرهيبة، أما الأسوياء من الناس، وبخاصة الأطفال فهؤلاء يفترشون أطباقهم بجوار الكبار، وينهمكون في لي طبقات الأرز بين أيديهم الصغيرة، ويغوصون في كؤوس «الفيمتو» حتى تصبح شفاههم مثل وردات تبللت بالندى، ثم يتلو ذلك الحلويات، والسكريات، والبسكويتات، والكيكات، وبعض ما تجود به أيادي الأمهات اللاتي لا زلن يمارسن شغل المطابخ السابقة، ولم يتخلين عن ذلك الإرث الجميل، وهذا ما يجعل لشهر رمضان رونقه، ومهارته في تعديل سلوكيات كثيرة، وتغيير عادات، وواجبات وحتى ابتسامات، وضحكات، لأن التغيير في الحياة اليومية له أسبابه الموضوعية في إضافة المحسنات البديعية في علاقات أفراد الأسر، كما أن الإحساس بتنظيم الوقت وترتيب مواعيد اللقاءات، والاجتماع على مناسبة سعيدة يجعل من الوجدان البشري مثل التربة التي يداهمها المطر، فتتحول إلى تربة خصيبة مترعة بالبلل.
في هذا الشهر تنام كل الضغائن لدى أغلب الناس، وتستيقظ الرحمة وسلام النفس، ما يجعل البيوت كما هي القلوب عامرة بأزاهير الفرح، غامرة بأعشاب الابتسامات واسعة الظلال.
في هذا الشهر، النعيم هو نعيم التسامح في كل شيء، عسى أن يجعلنا الله من المتسامحين، والراجحين في الحب.