لم تترك لنا الوسائط الإعلامية الجديدة شيئاً من الخصوصية، وشيئاً من ستر البيوت، وشيئاً لم تبثه على الهواء مباشرة، ولو كان ذلك الشيء شخصياً وفردياً ولا يهم الجميع، لكن في ظل أن الكل أصبح مذيعاً وصحفياً ومعلقاً وناقلاً حيّاً لكل صغيرة وكبيرة من حريق سيارة في شارع عام إلى تفاصيل «كبت» غرفة النوم، وما يحوي ويحتوي، يشترك في هذه المسألة «الشباب والصبايا»، والصبايا أكثر، ولا يتوانين عن استعراضهن الفاضح، ولا يمانعن من خدش حياء وستر بيوتهن وبيوت من يعرفن، لأنهن يتحركن وكاميرا هواتفهن تعمل وتصور وتصف وتفصل، يعني تجد الجميع والمتابعين يعرفون نوعية الصحون المستخدمة في مطبخ بيت فلان، وما إن كانت أصلية وعلامة تجارية وموقعة، وإلا من السوق الصيني، بحيث تجد درجة الصفار والسواد في «الفرساتشي» تلمع لمعاناً غير عادي، واحدة من اللواتي حين تسمع صوتها من بعيد، لا توحي لك إلا وكأنها في «ماراثون» غير منته من الدلع «الماصخ»، أو هي مشروع للتحول إلى قطة «شيرازية» قريباً، هذه ظلت تستعرض ساعاتها ويومياتها ومشترياتها، وإحداثيات تواجدها منذ أن خرجت من بيتها إلى وصولها إلى مدينة أوروبية، ومتابعوها ليسوا كلهم من الناس الطيبين أو الذين ينهضون باكراً لصلاة الفجر، هي تنقل في بث حيّ ومباشر من مواقعها المتعددة، وفرحانة كثيراً بالفندق الذي تنزل فيه بدءاً من أثاثه «الفيكتوري» إلى أكله الذي «يجنن، يجنن ولا غلطة»، والمتابعون ينقلون بدورهم ساعات خروجها مع ساعاتها الغالية، وترصد حقيبتها «إل. في» ببطاقاتها الائتمانية، وربطات النقود الجديدة التي تقول إن فلان من المعجبين أرسلها برائحة المصرف المركزي، يومان من فرحها وبثها المباشر، حتى لبد لها فريق من المعجبين المهاجرين، ومَرَطوا الأوليّ والتالي، ورجعت بخفيْ «شانيل»، وشعر منكوش، ورعب سيرافقها في بقية الليالي، وصدمة من بعض المعجبين النشالين.
ما بقي من ستر البيوت لم يخرج للعلن؟ بنت تسجن أمها، وتتهمها بالسرقة! طليقة تدعي على مطلقها، وتهدده بالمطرقة والسندان، ما لم يقدم لها تعويضاً بمليون درهم، وكم فدان! مسلسل صراع الإخوة الأعداء على حلقات، وعلى الإرث! الفنانة المشهورة خائفة، ومرعوبة، وهي تتلقى «الشنتار» وهي بكامل زينتها ومكياجها وتبرجها! واحد من المشهورين على وسائط التواصل الاجتماعي، رابطٌ رأسه من دون وجع، ويعترف لمتابعيه أنه مخالط، وأنه إيجابي، ويطلب دعواتهم ليخرج سالماً غانماً من هذه المحنة التي هو ممتحن بها وفيها! قدر من القدور الأوليّة الأصلية يتقاعد عن العمل، ويعطى الناموس على جهوده الكبيرة في تحمل النيران، وحطب مرخ السمر طوال هذه السنين، ويزعفر بالذهب من «مرتعشة، ومرّيه، وفتخ، وشناف، وشغاب»!
هذا البث المباشر والحيّ من مناطق الحدث، وأغلبها من البيوت وغرف النوم والمطابخ، لا يتوقف، كل يوم هناك شيء جديد ومذهل، ويخجل وجوه الناس الطيبين والرجال الحقيقيين، ومرات كثيرة يهتك ستر البيوت.