يقف الوفاء على أبواب ونوافذ الطيبين، يلوح للزمن يقدس العمل، ويعلم أولئك الذين ضعفت أو صغرت أو انعدمت مروءتهم وضمائرهم، بعض الأفراد مدرسة في كيف ترضع الحب والوفاء للمكان، للعمل، للرفقة الطويلة، مهما كانت قسوة وصعوبة الدرب، ومهما قلت الفائدة الشخصية، بعضهم لا يملأ عينه غير التراب، ولا يريحه غير أريكة أو مقعد يحتله ويثبت نفسه عليه كالمسمار!
قليل جداً من يعرف الوفاء، وقليل جداً من يقتنع بالقليل من الكسب، ويؤمن أن هذه عطايا الله، وعليه أن يحفظها.
يمر بنا كثر، ثم يرحلون كرحيل العاصفة أو السحب أو زبد البحر، يغيبون سريعاً عن الذاكرة، لأنهم لم يؤسسوا تواصلاً حقيقياً، ولم يزرعوا شجرة ود واحدة، أو قليل مثله يمكن أن يظل في الذاكرة والوجدان، خاصة في المؤسسات، وهذه النماذج قليلة العدد، تعلمنا أن الوفاء لا يعلم، وإنما يغرس منذ التنشئة، وكل شجرة طيبة لا بد أن تعطي ثماراً طيبة.
بالأمس كان يوماً جميلاً، وأيضاً حزيناً، هذا يحصل عادة في لحظات توديع من يستحق أن يقال له شكراً، لقد كنت وفياً وصادقاً وأميناً، بل لقد كنت صديقاً وأخاً للجميع، حرصت على مدار خدمتك وعملك على أن تكون مثالاً رائعاً، تستحق تلويحة وداع من أشخاص كثر، عرفوك إنساناً وفياً ومحباً لعملك ولكل فرد يحضر لعملك، كنت أنت عنوان المكان وعلامته المضيئة، كثر من الأصدقاء يأتون، لأنك تغني في أحيان كثيرة عن الجهاز الإداري أو الفني، إن وجدت أنت على رأس عملك، أنت الكتاب والقلم، أنت المخزن والمعرض وصناديق الكتب التي حملتها طويلاً، أنت المضيف والمرحب بالقادمين والراحلين، أنت القاعة والمحاضرة، أنت أكواب الشاي والقهوة، أنت الصديق والرفيق، محيي الدين عامل اتحاد كتاب وأدباء الإمارات وكفى.
محيي الدين كلهم يأتون ويرحلون على مختلف توجهاتهم ومقاصدهم، جاء من يؤمن بالمؤسسة «اتحاد كتاب وأدباء الإمارات» مشروعاً ثقافياً اجتماعياً له خصوصية الصوت والعمل والمقصد، وأيضاً جاء من لا فرق لديه أن يكون وحده المستثمر، ثم جاءت أفواج وإدارات، كلٌ يعمل بطريقته الخاصة، وحدك أنت ظللت الاتحاد، كما زرعت فكرته الأولى، تعاقبت الأجيال، وأيضاً وحدك من استمر، كما عرفه الجميع، والآن حان وداعك من الجميع كلهم يحبون محيي الدين كما أحبوه أول مرة، في لحظات الوداع أمس، لم ينس محيي الدين رفيقة دربه زوجته، حمل صورة له معها، ووثق وداعه مع عدد من أعضاء اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وكأنه يقول لنا: «أنا الصورة الحقيقية، كما عرفتموه معكم ومع من أحب».
لم يستطع محيي الدين الكلام، لذلك وزع علينا كلمة مكتوبة يعبر فيها عن حبه للجميع وعشقه للإمارات، وشكرناه نيابة عمن لم يسعفه الوقت للحضور، حيث نعلم أن هذا الرجل هو الوحيد الذي يتفق عليه الجميع، بأنه وحده الاتحاد والاتحاد محيي الدين، وداعاً محيي أنت الأجمل لدينا جميعاً.