في كل مرة، وأنا أشاهد محطة من محطات التلفاز، وأرى فيها صورة عبد الباري عطوان وهو يزبد، ويرعد، يتأكد لي مسبقاً أن هذا الرجل سوف يتطرق إلى دول الخليج العربي بشراهة ونهم، وبلغة عدائية ما شهدنا لها مثيلاً.
فهو عندما تأتي سيرة القضية الفلسطينية لا بد وأن يزج المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وسوء النية يسبق القول، بل وتسكن كل كلمة بغيضة بين ثنايا، وتجعدات جبين هذا الرجل، والذي يعتقد أن كل ما حل بالفلسطينيين سببه يعود إلى تخلي العرب، وفي مقدمتهم السعودية والإمارات، متناسياً السيد عطوان أن القضية الفلسطينية، أصبحت بلا سند عندما تشققت قماشة العلاقة بين قادة الفلسطينيين أنفسهم، وعندما أصبحت في غزة دويلة تقتات على الشعارات، وتلقم الشعب المغلوب على أمره أمنيات أقرب مسافة لها تسكن في الفراغ اللامتناهي، كما في رام الله دويلة لا يمكنها شكم إسماعيل هنية ومن ولاه من زعامات أصبح الدين لديها كما هي أشجار الزيتون المحروقة، وكما هي بيوت الفلسطينيين المهجورة.
عبدالباري عطوان يغرد خارج السرب، ويحق له ذلك لأن أصبعه ليس في نار القضية، وإنما في ثلج البلاد التي هيأت له المسكن والمشرب، وأتاحت له البوق الذي يصدح من خلاله ليل نهار، حتى أصبح ظاهرة صوتية، لا تكف عن توبيخ الآخرين، ولا تجف ضحالتها، هذا الرجل يبدو أنه يختزن في ذاكرته عدائية مصدرها الإحساس بالفوقية تجاه الآخرين، وهو ما يجعله يصدر التصريحات الرنانة، وكأنه يصدر ما جاءت به الكوميديا الإلهية، وطبعاً الفرق شاسع ما بين دانتي، وعطوان، ولكن التشبه بالعظماء قد يدفع أصحاب عقد النقص إلى تسديد الرميات بعشوائية ومن دون حسيب أو رقيب، لأنه في هذه الحالة التي يعيشها عطوان، بالضمير غائب، بل وفي حالة من الغثيان، ودوار البحر، وليت عطوان ينتبه قليلاً، ويتعظ من كثيرين أخطؤوا بحق الدول التي وقفت إلى جانب الحق الفلسطيني، وتمادوا في الشتائم، ولم يرفعوا رؤوسهم إلا وقد أكلت الحنطة الشعير، وبعدها لا ينفع البكاء على اللبن المسكوب.
نقول لعطوان وسواه إن بلدان الخليج لم تتخل يوماً عن القضية الفلسطينية، فقط كونوا أنتم مع القضية، وصونوا حقوق الشعب المغبون، ولا تتسلوا بمصيره عبر شاشات التلفزة.