يجمع الأوراق المتساقطة من الأشجار، يصعد تلة، يصعد جبلاً، ثم ينثر الأوراق أمام الريح، يتحرى/‏‏‏‏ ينتظر هبوب الرياح دائماً، يحبها يعشقها، يقول: إنها الأجمل، لأنها تكنس كل متساقط وكل شيء مات ولا فائدة منه! دائماً مساره نحو الرياح يضعها في صدره يفرده باتساع كبير ويحتضن الهبوب العاتية، يعانقها يفرح، ثم ينطلق كالشراع، وحدها يقول التي تستحق الحب والثناء والمديح، لأنها بشارة التجديد وإشراقة الشمس، كل شيء ميت أو ذابل سوف تكنسه الرياح وتأتي ببذور نباتات جديدة، الرياح تستحق عشق الأوراق، عشق الأشجار، اهتزاز الأغصان بعنف أو بلطف هي تحريك لمجرى الحياة تماماً كما تقع الأنهار عند تدفقها أو الشلالات عند انحدارها من أعالي الجبال. أنظر لروعة الأشرعة التي تحملها الرياح إلى الموانئ والمدن البعيدة، أنظر لجمال الطائر الذي يفرد جناحيه أمام الريح ويدعها تأخذه، حيث تشاء، الطيور السابحة في الفضاء بحرية هي أجمل من كل شيء بديع عرفه الإنسان والبشرية قاطبة، إنه اتحاد حر بين الريح والأجنحة المنفرجة على الفضاء المفتوح، هذا المشهد الجميل لا يصنعه غير الطائر والريح، الطيور السابحة بصفاء وحرية في السماء الواسعة..
كل صباح يطوف بالأشجار، يجمع أوراقها المتساقطة يحملها وينثرها أمام الريح، ثم يجلس ينظر فرحة الرياح ويسمع صفيرها وهي تحمل تلك الأوراق الصفراء إلى البعيد، ترفعها الرياح عالياً، ثم تتركها تسبح بحرية، تحلق بعيداً حتى تختفي في الأفق البعيد.
هذا المحب للرياح والأوراق المتساقطة وأجنحة الطيور السابحة في السماء لديه فلسفة خاصة ويقرأ مكنونها، يعشق صفير الرياح والعواصف، يعشق صوت الرعد والمطر، يقول: إنها البشارة بالحياة الجديدة. وإن هذه الأصوات شجن ونشيد لا يعرفه غير أولئك الذين يعشقون حرية الترحال في الفضاءات المفتوحة، الرافضين دائماً وأبداً للجمود والسكون وركود الحياة.
كان شيئاً لافتاً ذلك الشخص/‏‏‏‏ الإنسان الذي يتبع امتداد الأشجار، ويجمع الأوراق المتساقطة، يعمل بهمة كبيرة، يكدس ما جمع وينتظر هبوب الرياح القوية، ثم يرمي الأوراق أمام الريح بعد أن يصعد مكاناً عالياً. هل هو مجنون؟ أم يجد لذة فيما يصنع أم أنه محب للرياح ويقدم لها هدية أوراق الشجر!
يبدو أن هذا المجنون يرفض الوصايا، يرفض الجمود والانهزام أمام الأمراض والأوبئة التي تجتاح العالم ويجد أن الرياح وهبوبها القوية هي الكفيلة بتنظيف كل شيء. ربما يرفض هذا المجنون هذه الحالة التي يمر بها الناس في أزمنة كان الأمل معقوداً عليها بالتقدم والحضارة والعلم وإذا بها ترتعد أمام أمراض فتاكة وبعضهم حائر وينتظر العون وإخراجه من الجائحة، لا ندري.
ربما يرفض هذه البيوت والمنازل والأماكن التي أقفلت على أصحابها، يجد أن الحياة، هي رفض الجمود بأي ثمن حتى وإن كانت بهذه الطريقة التي يتوحد فيها المشهد بين الرياح والأوراق السابحة أمام الريح في الفضاء.