على يقين أن الأيام القادمة أجمل وأروع مهما كان شكلها أو لونها، لا يعادل بداية الشيء نهايته، ولا يعادل الجديد القديم من الشغف والحلم والانتظار للأجمل، دائماً شهر يناير ورأس السنة الجديدة نار على قمة جبل، هي ضوء شهاب سار إلى عالم آخر جديد، لا تعرف ثمار أشجار الصنوبر، ولكنها شجرة مثيرة وعجيبة في شكلها وارتفاعها والتداعيات التي تسقطها، تخالها وحدها التي تبعث حبات الثلج وبياض الثلج وحدها مخروطية الشكل، خضراء دائماً، لم أشاهد مثل هذه الشجرة يوماً اللون الأصفر ولا جفاف الأوراق، لعلها عين الصحراوي التي تبحث عن لون الرمل في كل زوايا الذاكرة، ولون الجبال «الملحا» والتي تكتسيها الصخور الرمادية الخالية من الأعشاب، أشجار الثلج شيء مثير في منظره وصورته، إما يلبس عمامة من الثلج أو أخضر بلون الأرز والصنوبر..
بارد طقسها لم تلهبه رياح «السهيلي» ولا شرتا «هبوب» الكوس، عالم آخر من زهو الوقت، لذلك تأتي الأعياد هناك باحتفاليات غاية في التنظيم والإعداد، وكأن الفرح يحضر مرة واحدة كل عام ينطلق الجميع من عقاله ويستغل تلك اللحظات في بهجة عالية، لم تكن الصحراء يوماً يعنيها احتفال الآخر بمعتقداته وأعياده، فلدينا أيضاً أجمل الأعياد، وكل يعبر عن ذاته ونفسه بالطرق التي يجدها تناسبه وتناسب عقيدته ومبدأه، ولكن هذا التواصل العظيم والتقارب والتسامح الذي أخذ يفتح الكثير من الأبواب والنوافذ وتمتد يد الصداقة والإقرار بأن الإنسان واحد مهما اختلف نمط حياته واختلف موروثه أو عقيدته أو دينه، إنها الحياة الجديدة للناس أجمعين محبي الحياة والإخاء ونشر الود والحب والسلام؛ لذلك أخذت احتفالات رأس السنة الجديدة شيئاً مألوفاً، بل محبباً عند الكثير من الناس على مختلف مشاربهم وأديانهم.
العام الجديد، نقطة البداية والانطلاق والحلم بالآتي الجديد الجميل، كلنا نحلم كل عام بأن تنجلي السنة التي عشنا واقعها بحلوها ومرها، ونأمل أن العام الجديد والقادم الجديد أجمل وأبهج هذه الرؤيا والرؤى، هي مفتاح الحب والأمل والسلام، السلام الداخلي ونسيان الماضي والحاضر وإعداد النفس ووعدها بأن شيئاً جميلاً ورائعاً سوف تعطينا الأيام القادمة.
في هذا العام، كان مقدار المشاركة والتقدير وتقديم التهاني وحب الآخر من الديانات المختلفة أمراً لافتاً، فقد زادت تقديم الرسائل والتواصل لتهنئة بعيد الكريسماس إلى مستويات كبيرة ومشاركات كثيرة، وهو مؤشر أن الناس قد وعت أن الحب هو صانع السلام، وأن البشرية واحدة في أحلامها بأمن والأمان والسلام والصحة والعافية، وهي رأسمال الناس جميعاً على مختلف ألوانهم ومذاهبهم وطوائفهم.
ولعلّ هذه السنة التي لم يحبها أحد أبداً تمضي إلى نهايتها، وأن عاماً جديداً يطرق الأبواب والنوافذ، لذلك يجب أن نشرع له هذه البوابات الواسعة، وأن يكون عنوان هذا العام الجديد عام الحب والسلام والأخوة البشرية، علينا أن نفرح كثيراً ونغني كثيراً لقادم، وننسى هذا الذي يمضي غير مأسوف عليه.
ما أروع رأس السنة وأجملها بالألوان وموسيقاها وأفراحها لتزهو المدن بالعام الجديد.