لو أطللت على الشارع في مدينتك، من خلال نافذة تجاور السماء، ستشعر أنك كطائر لبق يتقصى أحلامه عن بُعد، ويحدق في التفاصيل من غير ضجيج، وينظر إلى كتاب مفتوح من دون حروف مبهمة، والجملة الشعرية فيه تفصح عن أناقة مدينة، ورونقها وعشقها للحياة برغم ما يغشي الكون من غبار، وسعار.
هذه هي المدينة، تسفر عن سرها الدفين، وتغدق الأحباب ببريق عاشقة ما ملت التأمل، وكأنها كاهن من زمن الأبدية، يسترق السمع إلى صمت العصافير، وهسهسة الأغصان، ورفيف الأوراق من علو شاهق، يثير فيك الشغف إلى حياة لن يجلي أثرها غباء وباء حاش، متفشياً من غير رحمة، ولا شفقة، في أجساد العباد.
هذه مدينتك، رغم كل السقم، فهي تغني للوجود، وتنشد باسم الناس النجباء، وباسم تاريخ حضارة تألقت وعياً، وتأنقت سعياً لأجل شيم البقاء، ومن دون جفول، أو عزوف، فهذه المدينة، بشوارعها وسارياتها الشاهقات، تقول للزمن سوف نعبر، وسوف تمضي القافلة بسلام بعزيمة النبلاء، وشهامة المتحدين لكل عاقبة أو عرقلة، ومن دون تشهد سوف تطوف السفينة المحيط، وتصل بإرادة الأقوياء إلى حيث تكمن الحقيقة، وحيث تستقر العافية وتنهض مناقب الناس الأوفياء، والصادقين، والمخلصين.
هذه المدينة المستنيرة بوعي الذين تأزورا بالتصميم والإصرار على العبور ومن دون تعثر، أو تبعثر أو تكسر، هؤلاء هم بناة الغد، وأساس البناء، ورونق البنان، وأصل البيان.
هذه المدينة تطفو، كما هي الموجة، على عواقب الزمن، وتقفز كأنها الطير الغر، باتجاه الأمل محملة بأزاهير التفاؤل، مكتنزة بأكمام الفرح، ذاهبة إلى الحياة بقلب كأنه الجدول، وروح كأنها النخلة الوارفة، وعقل كأنه الجبل الشم.
كل شيء سيمضي، الوباء سيمضي، والقلق سيمضي، والزمن سوف يزف بشارة الخلاص، والوعي سيفتح أفقه إلى قرون ستكون باقة من إنجازات جديدة، وأحلام جديدة، وأفراح جديدة.
هذه المدينة كالشمس تأتيها الغيمة، وتذهب وتبقى هي ساطعة تلهم الوجود بياضها ورياضها وضوءها، ولن تتوقف عن العطاء، طالما النور يأتي من بريق الذين لا يملون العطاء ولا يكفون عن الإرواء.
هذه المدينة، كما الأتقياء، نور وجهها من سجية تاريخها وإرثها، وسوف تبقى أبدية الصفاء، والنقاء، والبهاء.