خلقت الصحافة، لكي تكشف الخطأ، وتلاحق المخطئين، وتضع الناس بصورة الحقيقة، وفي الوقت نفسه تشيد بالمميزين أصحاب الإنجازات، وهي لم ولن تكون صوت «السلطة على اختلاف مستوياتها»، لأنها إن فعلت تحولت إلى مجرد بوق يفتقد للمصداقية، وهذا لا يعني أن هذه النوعية من الصحافة غير موجودة، بل موجودة وفي كل مكان. ومن أهم أنواع الصحافة، الصحافة الاستقصائية التي تكشف بالأدلة والبراهين، ما كان مخفياً أو مستوراً، ولنا في فضيحة ووترجيت التي أطاحت بأقوى رؤساء العالم ريتشارد نيكسون الذي تجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى ووترجيت، وكشفته صحيفة الواشنطن بوست، عبر صحفييها كارلبرنستين وبوب وودوورد، وهي بدأت في يونيو 1972، وانتهت في 8 أغسطس 1974، حين أعلن نيكسون استقالته من الرئاسة، بعدما تبين أنه شريك أساسي في الجريمة. هذه القضية، وهذا الجهد الاستقصائي بات مرجعاً للآلاف من الذين يعملون في بلاط صاحبة الجلالة، ومنهم زميلنا راشد الزعابي وصحيفته «الاتحاد» التي كشفت قصة تعود إلى يوليو من عام 2016، حين اعتقد الجميع في الدولة، أن العداءة إلهام بيتي مصابة وغائبة لأسباب صحية، فإذا بها مدانة بتعاطي المنشطات، وموقوفة لمدة سنتين، وهناك قضية تلاعب الدم، وهذا ليس لب القضية برأيي، ففي أهم دول العالم رياضياً هناك متعاطون للمنشطات، ومنهم أبطال عالميون، لطالما صفقنا لهم، ودافعنا عنهم، ولعل أبرزهم العائد من مرض السرطان، الدراج الأميركي لانس آرمسترونج الذي توج بطلاً لطواف فرنسا سبع مرات حتى عام 2005، وعندما عاد عام 2009، كشفت الصحافة عن تناوله المنظم للمنشطات، رغم إنكاره حتى العام 2013، في برنامج مع أوبرا وينفري، وتم تجريده من ألقابه السبعة، وهو الذي استقبله رؤساء أميركا، وخرج الملايين مصفقين له، عندما كان يعود للديار متوجاً، ومن يريد متابعة القضية، فهناك فيلم سينمائي عنه حمل عنوان «ذا بروجرام» ويمكنكم متابعته، ومعرفة ما الذي فعلته الصحافة الاستقصائية حتى تصل للحقيقة ولا شيء سواها. نعم الحقيقة ولا شيء سواها هي هدف الصحافة «الحرة والمهنية والحريصة على وطنها وسمعته وعلى أبنائه»، لهذا فهي لا تنبش في المياه العكرة، كما يحلو للبعض أن يصفها، بل هي تسهم في نهضة بلدها، من خلال كشف الخطأ بدلاً من التستر عليه. كل التحية لصحيفة «الاتحاد» وإلى راشد الزعابي، ولمن تصدى للنشر في زمن الحوكمة والشفافية.