قليل من المدربين يجيدون الحديث كما يجيدون التدريب، وعلى الرغم من أنه لا علاقة بين الكلام وبين المهنة الأصيلة للمدرب، فإن الكلام ينبئ عن صاحبه، ويكشف بدرجة كبيرة فهم هذا المدرب على الأقل للمهمة التي يقبل عليها، وهل يستطيع مد جسور تواصل بينه وبين اللاعبين أم لا، وأعتقد أن الإيطالي ألبيرتو زاكيروني من هذا الصنف، فهو مدرب مثقف، ولديه ما يقدمه أكثر من الكرة. في تصريحات نشرناها أمس الأول هنا، تحدث زاكيروني في بداية مهمته مع «الأبيض»، والحقيقة أن ما قاله أعجبني وشدني، وغمرني بتفاؤل أتمنى أن يستمر، وأن يكون ما لدى المدرب الإيطالي ما يوازي الكلام إنْ لم يكن أكثر منه. ليس ما لفت نظري في كلام زاكيروني، حديثه عن عشقه للتحدي أو حبه للعمل، فكل المدربين يقولون ذلك بصيغة أو بأخرى، لكن هناك مقاطع كثيرة في حديثه استوقفتني، لعل أهمها تأكيده على أن أصدق كلام عنه لا يكون إلا من خلال العمل الذي يقدمه، وهو بذلك يدرك أنه المسؤول الأول عما ينبغي أن نقول، وكذلك تفسيره لرفضه وجود مدير أعمال يتولى التسويق والترويج له، فعمله أيضاً هو الذي يتولى ذلك، والأهم رغبته التي ساقها أكثر من مرة عن ضرورة التعرف على اللاعب الإماراتي والمجتمع الإماراتي.. هو يرى أن أول الطريق للعمل أن يعرفنا.. ليس مستوانا ومهاراتنا، وإنما يتعرف على كل شيء لدينا.. بهذا وحده قد يقترب أكثر من اللاعبين. زاكيروني الذي وصف نفسه بأنه مثل «الخياط»، أكد أيضاً على تحمله المسؤولية كاملة، فنحن منحناه القماشة، وعليه أن يحيك منها ما نريد، واستوقفتني كثيراً كلمته حول أن من ضمن مهامه إخفاء العيوب الفنية للاعبين، وإظهار إيجابياتهم باللعب الجماعي، والحقيقة أن تلك كانت آفة من آفات فريقنا في مرات كثيرة.. بالعكس كانت الآفات تنتقل كالعدوى من لاعب لآخر، ورغم الإمكانيات التي يمتلكها لاعبونا، إلا أن ثغرة واحدة بينهم كانت كفيلة بهدم كل البناء والطموحات، وأعتقد أن هذا المعنى الذي ساقه زاكيروني، رغم أنه لم يتعرف على الفريق بشكل كامل بعد. زاكيروني حريص على الانسجام إنسانياً أولاً مع اللاعبين وهذا جيد جداً، كما أن فلسفته في التجارب الودية مهمة، فهو يفضل أن نلتقي المنتخبات القوية، وأن نخسر بدلاً من مواجهة فرق ضعيفة يخدعنا الفوز عليها. لا أخفي تأثري وتفاؤلي بتصريحات زاكيروني، ربما لأن مهنتي تدفعني للإعجاب بكلام أقرب إلى ما نكتب، وإذا كان ميداننا الورق، فغداً سنرى زاكيروني في الميدان، وفيه يُكرم المرء أو يهان. كلمة أخيرة: يظل الكلام مجرد أحلام.. يفسرها العمل