يبدو فندق الميريديان مثل محل خياطة، حيث يزدان بالفساتين الخليجية التي جاء أصحابها المبللون بملح الخليج العربي كي يهفهفوا بالملابس الناعمة انسجاماً مع الأجواء الصيفية، حالمين بهمسات الهواء الشبه باردة وشارع المدينة المطل على الأبنية العالية، يصخب بأغاني محمد عبده، وميحد حمد، وشلات ترفع نشيد الجبال، والصحارى، ومواويل ترسم صورة البحر على أعطاف مدينة ميونخ، وتشعر أن هناك اتحاداً عالمياً يولد على الأرض الوسيعة تشعر أن العالم بكل ما فيه من دماء ساخنة إلا أنه يخبئ في معطفه، حنيناً بشرياً إلى السلام، ونعماً وافراً، يزخر بالعودة الأبدية إلى الحب.
تنسى نفسك وأنت في الأمكنة المزدهرة بالابتسامة، وتعود إلى طفولتك، تلهو بخصلات الشجر، المتدلية في جدائل رخية، من رؤوس الأشجار السامقة، تعود إلى عفويتك الهاربة منذ زمن وأنت تتأمل الوجوه، وأغلبها جاءت مع النسائم، العليلة، والأمنيات النبيلة، من بلسم الخليج العربي، فينتابك شعور مختلط، بين الإحساس بالألفة، وكذلك الإحساس بالفراغ المشوب بالسخط، لأن أفراداً جاؤوا من ضفاف الخليج، يرفعون شعارات أشد فتكاً من شعارات النازية وهذا ما يرفع من حدة اللغط ويجعلك تفكر كيف يفكر بعض الناس، أي أنهم لا زالوا في مهد الجهالة والسطحية، ويمارسون الحياة مثل أطفال الشوارع، عندما يمجدون أشخاصاً لم يكن لهم إنجاز في الحياة سوى أنهم غرزوا السهم في الظهر، وشقوا صف الوحدة الخليجية، وامتهنوا مهنة المغالطات، وساروا في القضية الإنسانية إلى جحيم المواقف المزرية، وزلزلوا المكان وخلخلوا نسيج المحبة، وجعلوا من الحياة، سبل شر، وضغينة وكراهية.وهذه ميونخ، التي تبرأت من ابنها العاق، واستدعت كل إمكانياتها العاطفية من أجل السير في ركب عشاق الحياة، وبهذه المعاني أصبحت ألمانيا اليوم أكبر قوة اقتصادية في أوروبا، تنعم بالحرية، والشفافية، وأعناق شعبها تطال السماء فخراً ببلدهم التي تركت الماضي وراءها، واتجهت نحو الراين، لتتشارك مع أخواتها الأوروبيات، الارتشاف من عذوبة الماء، وصفاء السريرة، وليذهب هتلر إلى نفايات التاريخ، فهذا مصير كل من يشق الصف، ويعتلي تلال الوهم، ويحول العروة الوثقى إلى حبل غسيل مهترئ. هذا مصير كل من يخون الأخوة، ولن تشفع له أغاني المتسكعين في شوارع المدن الغريبة.