في أول العام التقينا، وفي نهايته نلتقي لنطير. بابان كلانا لدخول الهوى، ونافذتان قلبانا، يطل منهما الحب كاشفاً عن نصف وجههِ في كل وجهي، وعن كل روحهِ في كل روحكِ. حدث ذلك في يناير، يوم تشابكت أصابع وعدنا ومشينا باتجاه الضوء حتى اختفى ظلانا. وفي فبراير نبت فوقنا جناحٌ من ريش ضوئي حتى صارت الغيمة تحت قدمينا وسادةً، والقمرُ كرةً نتقاذفها في مخمل السهر. وحين جاء مارس مبتلاً بمطر الشتاء الأخير، لم يقل لنا وداعاً، بل راح يضحك لأننا عطّرناه بقبلة من حرير، وطبعنا على جبينه ختم الخروج من الزاوية. ولم يكن أبريل غير رجل دعانا لندخل المقهى فلبيناه، وسكبنا في أطباق زواره الحائرين عسل المسرّات الباقية. وحين خرجنا كان مايو واقفاً في ثياب قبطان، وراح يحملنا في الطائرات كي نبارك أعشاش عشّاق يولدون للتو، ورأينا في زحمة الأرض كيف يغسل الحب، إذا أتى صافياً، أنهار اليأس. وقالت لنا امرأةٌ في الشرق أغيثوني، وهي تركض في أرض خلا منها الحب، وتقاطرت في سماء أحلامها نذر البارود. وهل تذكرين يونيو، عندما عضّ الصيفُ دفء جلوسنا في شرفة المطر، وعندما دخلت علينا الشمسُ تمد يدها طلباً لبعض النور، وأذكرُ صارت الشمسُ في يدكِ مرآة صغيرة، وتغير لون كحلك الى ما يشبه انبعاث فضة مخلوطةً بذهب. مرحباً يوليو، هكذا دعوناه ليجلس قربنا ونحن نراقب تفتح الزهرات البرية، ثم علقناها قلادة على صدره حين غادر. وفي لقطةٍ لمصور محترف، تجمدنا أنا وأنتِ واقفين على ساحل بعيد في أغسطس، وفي الصورة فوقنا سربُ طيور تغادر، وغزالةٌ ترمقنا بعين ساهية. ثم جاء سبتمبر مستعجلا وأيقظنا لنزفّه في عرس الفصول، فألبسناهُ قبعة المهرج، وتركناه بين خريفين ربيعهما صيف بارد ومضينا ضاحينِ. وفي أكتوبر تفتحت الشموعُ على كعكة العمر فرقصنا حولها وشاركتنا الظلال جنون أمانينا. وعلى روزنامة نوفمبر، غرزنا وردة خضراء، وكشطنا من صفحة الأيام كل أثر للخصام فابتسمت لنا الدنيا من جديد. يا ديسمبر البهيّ، لماذا قبل أن تغادر، تضع في يدنا خاتم الأمل. ولماذا الحب، وهو تاجك الملكيّ، يبرقُ على رأس كل سنة، ويغمرنا من جديد في سحر مصيرنا الأبيض.