الآن، وبعد أكثر من سنتين، يبدو الحوار السوري - السوري، أكثر إلحاحاً، وعلى نهر من الدماء التي أريقت ظلماً وبهتاناً، يجب أن تسير سفينة الحوار رغم مرارة الأمر، ورغم الخسائر الفادحة التي كلفتها الحرب الدموية في هذا البلد المهم .. الآن لا بد من الحوار، ولا بد من التخلص من الأجندات الضاغطة من هنا وهناك، لأن ما خسرته سوريا، يفوق، كل التطلعات الذاتية، والأنانية الفردية، ومن يحب سوريا يجب أن يتجاوز جراح الأمهات الثكالى والأرامل، والأيتام، والمشردين، والجوعى واليائسين، ويعلن صراحة أن الأخطاء الجسيمة يجب ألا تتراكم، وأن المعضلة يجب ألا تتفاقم، فقد طفح كيل التضاريس السورية، من عذابات وبؤس وجراح، وأن الفقراء الذين زادتهم الحرب الضروس فقراً وقهراً وكدراً، يجب أن يتنفسوا الصعداء، وأن الفرقاء يجب أن يحكموا العقل ويرتفعوا عن رؤية الشيطان، فالوطن أغلى من كل شيء، والتنازل عن بعض الحقوق الذاتية، مقابل مصلحة الوطن، يكون عقلاً راجحاً ناجحاً، مصرحاً عن حكمة وشيمة النبلاء.
بطبيعة الحال، الشعب السوري بحاجة إلى الحرية بعد كبت عقود من الزمن، ولكن قبل الحرية، لا بد من وقف إراقة الدماء مادياً ونفسياً لشعب لم يجنِ حتى الآن من الحرب سوى تقطيع الأوصال، وهدم المآل، وليس أجمل من الديمقراطية، لكن هذه الحسناء لا قيمة لها، إذا كانت ستقام على أنقاض، وركام، وحطام، وبقايا شعب تدخلت وتداخلت في شؤونه نوايا ورزايا، وأطاحت أحلامه الزاهية، خبايا من يدسون السم في العسل، ومن يخوضون في المياه العكرة، ومن يجدون مصلحتهم في أن تبقى سوريا في حال التضعضع، والتفكك، والشتات.
طرح زعيم الائتلاف السوري السيد الخطيب الحوار أو قبوله الحوار، يفتح بارقة أمل بارقة تحتاج إلى الثقة بالنفس أولاً وبالآخر ثانياً، تحتاج إلى كبح جماح الأيدي التي تتسلل في الظلام، وتحاول أن تعبث وتغربل وتزلزل شكل هذا الحوار لتجير القضية الأساسية، باتجاه نوايا لا تصب أبداً في مصلحة سوريا ولا في مصلحة المعارضة، والآن وبعد الطرح الجريء والشجاع للحوار، لا بد من الوعي بأن هناك عواصف ونواسف تدور خلف الستر والحجب، ولا سبيل لإفشالها إلا بالتخلص من ثارات الأمس، وتنقية الذات من عوالق وعلائق الشحنات العصبية، من أجل سوريا، ومن أجل شعبها الذي يكفيه عناء ومعاناة، والمعارضة بحكمائها قادرة على فعل ما يقنع ويمنع التورم الأكثر فظاعة.


Uae88999@gmail.com