النصوص التاريخية أو بعضها لا تجعلك تتمتع باستمرار القراءة والغوص في أعماق النص، والنصوص الجميلة تأخذ وقتاً ليس بالقصير لدي، كل فصل به فاصلة، ونقاط توقف، وعلامات إعجاب واستفهام كثيرة تتعثر بها، أو أنك توقف القراءة لتسرح في حكايات مشابهة أو لنقل ممتدة ومتداخلة، خاصة عندما يكون الماضي مادتها أو عمودها الفقري، تظل الحكاية سارحة ومتنقلة من جيل إلى آخر، قد تستوقفني حكاية ومضمون وإشارة معينة، أو حتى مواقف سمعتها أو نقلت إليك بطريقة مختلفة في السرد ونقطة البداية أو النهاية. كثيراً ما يصل النص الذي يتحدث عن الماضي وحياة البحر والناس وصعوبة الحياة أو رغدها، إلى علامة وفاصلة ونقطة ينطلق منها السارد، يقدم حكايته وحبكته ليصل في النهاية إلى مرسى وميناء ورصيف القصة /‏ النص أو الرواية. في عالم الحكاية الطويلة أو الرواية الرائعة (في فمي لؤلؤة) التي أبدعتها ميسون صقر، منذ البدء تنكشف قوة الدخول والقول في حكاية الناس والبحر، والحياة الثرية بالقصص والحكايات الموجعة أو الحالمة لناس قهروا البحر وأهواله، تاريخ طويل وقصص لا تكفيها رواية واحدة، ولكن تأتي أهمية السرد عندما يتناوله ذلك الذي سمع وشاهد واحتفظ بشيء مما تركه الماضي للحاضر، أو ما تركه التاريخ والأسرة والعنصر المادي لحكايات تسكن فينا أو جوارنا، أو نشاهد أثرها في عناصر مادية لها حكاية كبيرة ومؤثرة، وتناقلتها الأجيال بحب وعشق وإصرار على أن تصل الأمانة المورثة إلى أجيال قادمة حتى تستمر الرواية. هكذا تبدأ الأديبة الروائية والشاعرة ميسون صقر حكاية عقد اللؤلؤ، والذي يحمل أيضاً حكاية البحر والعائلة، والناس من أولئك الغواصين الذين على أيديهم تبدأ حكاية المغاصات واللؤلؤ والحسان من النساء الرائعات، الأميرات اللاتي يزين جيدهن ما أخرجه البحر من دانات وحصابي ويكات وجواهر. لم أكمل رواية ميسون صقر، وذهبت في لحظة تداع طويلة عن حكايات الباحثين عن اللؤلؤ والدانات، وما أكثر تلك الحكايات في الإمارات القديمة. كان صراع طويل بين البحر والناس، عشق وتعب وشقاء وفرح وابتهاج وانتصارات كثيرة، أخرجت أجمل اللآلئ وزينت أجمل النساء. رواية في فمي لؤلؤة رائعة الدخول إلى عالم النص، هذا العمل الطويل لابد أن نعود إليه في قادم الأيام لنقرأ حكايات تاريخ البحر والأثر الاجتماعي الذي كوّن سيرة الناس في هذا الساحل، البدايات مُرة وصعبة ومُتعبة عند أولئك الذين أعطوا الكثير للحياة، ولم يأخذوا غير تعب الأيام، وخصوصاً العاملين منهم.