خلال عقدين من الزمن، تحولت الصين من دولة ضمن دول العالم الثالث، إلى دولة عظمى اقتصادياً وسياسياً، الأمر الذي يؤكد أن عظمة الدول نتيجة مباشرة لقدرة سياسية على استثمار الطاقات والإمكانيات لأي بلد، والصين دولة ذات تاريخ عتيد، وثقافة تمتد إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ولأن الصين تتكئ على فلسفة كونفشيوسية، مسالمة، مصالحة مع النفس، فإنها استطاعت أن تعبر سورها العظيم إلى آفاق العالم، باقتصاد قوي، وسياسة معتدلة، وثقافة تحترم الآخر. فالصين اليوم، هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بمساحة جغرافية شاسعة، بل أكثر من 12 مليون كم، وعدد سكان تجاوز المليار ومائتي مليون نسمة، هذه المعطيات الطبيعية في حد ذاتها قدمت الصين للعالم كتنين، لا يقبل الانقراض رغم التقلبات الاقتصادية العالمية، ورغم الحروب الطاحنة في أكثر من منطقة في العالم، وما يفيد في أمر الصين أنها دولة نأت بنفسها عن الانحيازات والانزياحات السياسية تجاه طرف ضد طرف آخر، وهذا ما يؤكد مصداقية سياستها، فهذا البلد الكبير، يتعامل مع الآخر بالمثل من دون وصاية أو وشاية أو غاية أو دعاية، والهدف واحد ألا وهو تطوير الصين، وتحويلها إلى بلد صناعي، ضخم، غزا العالم بمنتجاته الصناعية وبجودة تنافسية عالية. وعندما تخلصت الصين عن ثوابتها القديمة، واتسعت حدقتها باتجاه عالم مفتوح النوافذ والأبواب، تمكنت وبقدرة فائقة أن تلج المحيطات، وتغزو الفضاءات، وتعتلي جبال الاقتصاد بسهولة واقتدار، واعترف العالم بقوة الصين ومتانة اقتصادها ورجاحة سياستها، واستطاعت الصين أن تستعيد حقاً مسلوباً مثل هونج كونج، من دون أن تطلق رصاصة واحدة، لأنها آمنت من قبل أن سلاح العقل أقوى من الصواريخ وأن القوة الاقتصادية، أشد تأثيراً من القوة العسكرية، والعالم اليوم لا يعترف إلا بطرقات الأخف الثقيلة، وأقدام الصين بعد التطور الهائل الذي شهدته، أصبحت ثقيلة يسمعها القاصي والداني، وفي الأحداث الدائرة اليوم في أكثر من منطقة لا أحد يستطيع أن يستثني الاستفادة من ثقل الصين الاقتصادي والسياسي، ولا أحد يمكنه أن يشيح بوجوم عن وجه الصين المشرق بسياسة تتسم بالرزانة والرصانة، في التعاطي مع الأحداث وما يجري في العالم، من تقلبات واضطرابات، بحاجة إلى تكاتف الجهود واصطفاف دول يجمعها قاسم مشترك واحد ألا وهو إسلام العالم وأمنه واستقراره وطمأنينة شعوبه.