مثل طائر يهجر أعشاشه مهاجراً إلى الغمام البعيد.. يستل من السماء حريته.. يستنسخ من البحر زرقته وصفحة ذات حكاية جديدة.. يسرد من الأمواج وهيجانها ما يطرب الروح.. وينقش في الظلال ما ينسج العمر بهجة، وما يشيع السلام والمحبة.. مشبعاً برائحة الورد وألوانه المطلة على حدائق المدى والنور. يهجر أوكار التلال ليتقلد شرفة الرؤى أمام ماضٍ يحتدم مع الأشياء وانفلاتها؛ فمن العلو ترى الوجود على مختلف أنماطه الخيّرة كما ترى في الآن نفسه زيفهم وخلوهم من الوهج. من العلو ترى السطوح الفارغة والقمم المخيبة.. ترى الحكايات وما أوردته بأنهم أشبه بنشار الخشب يتراقص في الزوايا الميتة. ينفلت طائراً محلقاً مكسواً بالتندي.. متحلياً بالحياة حباً ووداً، ويقبل على الملأ المتسع نوراً وبهاء. يعانق البعد الجميل المتسم بالسلام والروعة؛ ففي البعد تأملات جمة ترى من خلالها تقلبات الآخر وفضاء المحطات اليومية المنتمية إلى الانصهار والتأزم.. في البعد بعد آخر وملاذ لكنه يكشف الأشياء وغموض الحقائق وانجرافها بعيداً عن الاتزان والقيم. ويسلط البعد النظري أو الفطري على كل حقائق النفس ومحيطها الملتصق والأكثر قرباً لها مما يفجر لها الرؤى وينحى بها عن التيارات والمؤثرات العديدة مما يجعلها تصفو في التأمل. لكن البعد يظل كالمجهر يقترب من بؤرة الضوء من أجل اكتشاف الحياة من جديد وترويض النفس من أجل أن يلازمها الهدوء والاطمئنان.. البعد عن المكان أحياناً يورث الصفاء في النفس، ويباعد عنها الكثير من الشراسة والاضطراب، ويغيب عنها وتيرة الحياة المحزنة وغير المتزنة، أو تلك الحافلة بالطنين والتعقيدات، فمن نوافذ العلو الجميل ترى الفقاعات المكتظة وما يسكنها من الغبار وما يحتلها من حطام الزمن. فالبعد المختزل في النفس، دائماً ما يعيد دوران الحياة وينصب حالة الانتظار وكأنها سياق جميل يمهد إلى تجسد القيم الذاتية ومنحها التعامل بعقلية نزيهة..ما يضفي عليها أبعاداً جمالية وتكسبها الوعي والقدرة على استبصار الذات والآخر. والبعد يحقق التلاحم مع النفس والشفافية المتحصلة عنه تحقق لها الكشف أو الانكشاف على بؤر الظلام وطلاسم السود التي يغرق فيها أولئك المنجرفون من الداخل.. الراقصون على وأد الفكر.. المتلازمون مع خوفهم كي يهدموا الأشياء الجميلة.. كل ذلك لأن حقدهم أكبر ويصهرون ما تبغي فيحسبونه نجاحاً...