هناك بعض الأشخاص يشعرونك أنك مسؤول عنهم أو أنك رب العائلة الكبير وعمدتهم، وأن أشياءهم ومقدراتهم واخفاقاتهم مربوطة في عنقك، يكون العشم فيك دائماً، والرجاء منك أبداً، ربما وظيفتك تغريهم بذلك، ربما لوقع أسمك ورنّة موقعك الاجتماعي تدفعهم لذلك، ربما ظهور صورك في الصحف أحياناً يشجعهم على ذلك، ربما رقم نقالك المميز، ربما ركوبك أكثر من سيارة جديدة، ربما عودتك من الحج مؤخراً، وقضاؤك للعمرة أكثر من مرة، ربما تبرعك للهلال الأحمر كل سنة، ربما معرفتهم أنك رجل خير، وتحب الخير، ربما أشياء كثيرة تدفعهم إلى قصدك ومناشدتك· ما أن تلتقي هؤلاء الناس حتى تشعر أنك مقصر تجاههم أو هكذا يسربون لك هذا الاحساس خفية، فتظل تلوم نفسك حتى يبدو عليك الاختناق من طلباتهم ومتطلباتهم التي لم تولها الاهتمام المطلوب كما يحبون هم، فإذا ما نظرت في عيونهم شعرت بالذنب وبتأنيب الضمير حيالهم، فيثقلوا رأسك، ويلبكوا معدتك، ويثيروا قولونك العصبي، وحالهم يقول: لماذا تركتهم وحدهم في صراعهم مع الحياة وقساوتها؟ لماذا لم تتدخل حينما تتطلب الأمور ذلك؟ خليت بهم وجعلتهم فراداً مع كل هذه الاجراءات الحكومية وبيروقراطيتها وتعقيداتها، وأنت بكلمة طيبة قد تسلك أمرهم، وبتدخل لن يكلفك كثيراً قد تحل مشكلاتهم وتسيّر أحوالهم، إذا لم يحصلوا على أرض تجارية، فأنت الملام والمتآمر على حقوقهم الوطنية المكتسبة، وإذا لم يحوشوا على دكان في السوق القديم، فأين أنت من مناصرة الضعفاء ومساكين الأرض؟ حتى إذا ما نقص الكالسيوم وارتفع اليوررك أسيد عندهم، فأين أنت من المتابعة الصحية والمراقبة الغذائية؟ أنت دائماً المسؤول عن نقص الهمة عندهم، مسؤول عن سقوط ابنهم ''الهتلّي'' في الإعدادية، مسؤول إن كانت الحرمة فرحانة بـ''ليسنها'' الجديد وتعليم مدارس السواقة التي على عجل ومع رجفة بسيطة، وخرجت في سيارتها النيسان الجديدة وكشطت باب المدرسة الحديدي في أول يوم احتفالاً برخصة السوق، مسؤول إذا لم يتدبروا أمرهم في الصيف ويسافروا إلى ألمانيا للعلاج السياحي، مسؤول إذا ما تعرضت خالتهم في الآونة الأخيرة لنكسة صحية، ولم تسفّر إلى المستشفى الملكي في بانكوك، وإذا ما خاب ظنهم، وطاشت أسهمهم، وخسروا ما قبلهم وما بعدهم، يبقون يتأملون في كل الأمور التي مضت بما لا تشتهي رياح الشركات والمضاربات، فلا يتذكرون أحداً غيرك، ولا يفكرون إلا فيك وحدك، وكأنك كنت المقاول والسمسار والوسيط، وما نادى به عبّاس، وما وعد به دبّاس، وما أمَلَكَ فيه ابن فرناس· هؤلاء الناس يرمون حبال قواربهم ويريدون منك الشد والتجديف والغناء والنجاة والوصول إلى بر الأمان، دون أن يكلف أحدهم خاطره ولو بالتشجيع الصوتي أو على الأقل بجر نهمة بحرية تساعد المركب على الصمود في وجه الريح، وتقصر المسافات البعيدة، وترفع من الشراع، وترفع من همتك وعن كاهلك ثقل همومهم الكثيرة، ودمع عيونهم الذي لا تدري متى يمطر ولا يتوقف وكأنهم أيتام دائمون·