في محاضرة عن تنظيم "الإخوان المسلمين" لخبير في الجماعات الإسلامية، لم يترك الخبير شاردة أو واردة عن "إخوان" مصر إلا ذكرها، لكنه لم يقل شيئاً له قيمة بشأن "إخوان" الخليج، رغم أنهم كانوا ضمن محاور المحاضرة. كان هذا قبل سنوات قليلة، ولا تزال المعلومات عن "إخوان" الخليج شحيحة، ربما كتاب هنا، ومحاضرة هناك، باستثناء "إخوان" الكويت والبحرين المعترف بهم رسمياً، ولهم تمثيل في برلمان البلدين. والفرد الخليجي لا يتصوّر وجود فرع للتنظيم المصري في بلده، ويصعب عليه تصديق أن من ينسبون أنفسهم لما يسمى "الإصلاح" تارة، وبأنهم دعاة إلى الله تارة أخرى، ليسوا ضمن تنظيم محدد هو "الإخوان المسلمون". فعدا عن شحّ المعلومات، فإنه ليست هناك جماعات تحمل اسم "الإخوان" أو تقر بأنها جزء من ذلك التنظيم ولو تحت لافتات مختلفة. والغموض يزداد في حالة الإمارات تحديداً، فمعروف أن "الصحوة الإسلامية" في السعودية تنتمي بالأساس إلى جماعة "الإخوان". وفي كل الأحوال، ونظراً لخصوصية المملكة دينياً، فإنه لا يُتصور لتنظيم ديني مهم أن يضعها خارج خططه التوسّعية. وكذلك في الحالة القطرية التي يقيم فيها المرجع "الإخواني" يوسف القرضاوي، وما يقال عن حلّ التنظيم هناك واكتفاء الأعضاء بدور دعوي وتربوي كدعاة مستقلين، أي حلّ الجماعة كتنظيم. أما سلطنة عمان، فإن اختلاف مذهب "الإخوان" فقهياً مع المذهب الرسمي للدولة، مبرر كاف لعدم بروز "الإخوان" هناك علناً، ومن ثم إلى نقص المعلومات عنهم. ونعود إلى الإمارات، حيث من المعروف أن بعض الجمعيات الإسلامية- الاجتماعية التي تأسست في الدولة في السبعينيات والثمانينيات، كانت "إخوانية" التوجّه. ومعروف أيضاً أن الفكر "الإخواني" كان يتحرك بحرية في مدارس الدولة في الثمانينيات، نتيجة اعتناق بعض المتنفذين في وزارة التربية والتعليم آنذاك لهذا الفكر، وذكريات الكثير من الطلبة حول تلك الفترة تؤكد ذلك. والسؤال يتكرر من جديد: هل الجماعة الموجودة في الإمارات، والتي تنشط وفق المنهج "الإخواني"، هي مجرد جماعة متأثرة أم هي جزء من تنظيم سياسي ديني عابر للحدود؟ والفرق بين الأمرين شاسع، على الأقل سياسياً وأمنياً، كأن يحمل مواطن الفكر الليبرالي أو يكون جزءاً، أو فرعاً، من حزب ليبرالي موجود في الخارج. ولم تقر هذه الجماعة يوماً بأنها فرع من التنظيم، لكن هل نحتاج لرؤية بطاقة عضوية اللاعب في النادي لنعرف أنه يلعب فيه ما دمنا نراه يحضر المباريات، ولو على دكة الاحتياط، وفضيلة المدرب "يطبطب" على رأسه؟ كما أن التنظيم الأم في مصر عمل لسنوات طويلة بشكل سري، وكثير من المعلومات عنه خرجت من أفواه المنشقين عنه. وإذا كان هذا حال المركز، فمن الطبيعي أن الأمر أكثر سرية وتكتماً في الفروع، خصوصاً في الفروع الصغيرة التي ليس فيها أعضاء كثر، أي مجرد "كشك". عموماً، يعلن "إخوان" مصر أن هناك جماعات في نحو 72 دولة في العالم "تحمل أفكارهم"، ومن غير المنطقي أن يُسقطوا من حساباتهم دولة ثرية كالإمارات، وشعب متدين ومحافظ كالشعب الإماراتي، يمكن أن يتأثر بعض أفراده بالشعارات البرّاقة، على الأقل لجهة حلب أموالهم لدعم أنشطتهم وفروعهم في العالم. وقبل تطاول القرضاوي على الإمارات وحكّامها بكلام لا يقال إلا في المقاهي، لم يكن واضحاً لعامة الناس إن كان لا يزال للتنظيم الأكثر شهرة إسلامياً، وجود نشط في الإمارات، أو فرع عامل، أو "كشك" متواضع، لكن حماسة القرضاوي الغريبة لرموز ما يسمى بـ"الإصلاح" في الإمارات، فتحت العيون عليهم، وأصبحت إجابة سؤال: دعاة للإخوان أم دعاة إلى الله، أكثر وضوحاً.